مستنبتات متطورة 

مليكة الحامدي | كاتبة وأديبة سورية

Painting by Antonio Guzman Capel

أشك بأن “التطور المجتمعي” مسمى إيجابي دقيق لما تؤول إليه المجتمعات من تغيرات وتبدلات ومناظرات تناكفية؛ فكل قديم له وجهه الأبيض والأسود، وكل حديث له أيضاً وجهه الأبيض والأسود؛ وكأمثلة واقعية: فالزوجة التي كانت ترزح تحت عباءة الرجل وتحني رقبتها تحت سيفه كانت أماً تهزّ المهد في يمينها  العالم في يسارها، والزوجة التي تحررت من براثن الذكورة وأعتقت رقبتها بقوة الثقافة والانفتاح أصبحت أماً تهز الورد بيمينها  فتتداعى البتلات سراعاً  وتلهب الرؤوس بيسارها فتحترق الوسائد.

والرجل الذي كان جاهلاً حدّ الثأر من الحب كان حارساً على بوابات الشهامة، والرجل الذي انفلت عن عقلية الجاهلية وتحرر أفلت خيط العفة ودس يده في العهر.

والفتاة التي كانت تسترق السمع إلى ذكريات الأمهات والجدات عن نظرة إعجاب ألقاها الحبيب في لحظة اختلاس كانت تبني لها ولفارس أحلامها كوخاً أبدياً على كوكب لا يحتوي سواهما، والفتاة التي غدت تّفصح عن أدق المواضيع حساسية بحكم نضجها الثقافي السريع غَدَا لها زوج المستقبل “فرصة” أو نزوة أو تجارة  قابلة للاستبدال أو الاستغناء .

والطفل/ة الذي كانت ترعبه نظرة الكبار الحادة كان يرتعد يوم توزيع الجلاء المدرسي رغم تفوقه، والطفل/ة الذي خرج عن السيطرة بحرية التعبير والاستقلالية  ذاب في عنق “الأركيلة” وهو يرقص على ركام الانضباط.

فأين المعايير المجتمعية المتوازنة التي يعول عليها؟  وما هو التطور الذي ينادي به المنفتحون؟ وكيف يكون؟

نحن نجهل نوايا التطور في مجتمعات تُبهرنا بانحراف جديد كل حين.. و أتساءل بقلق رغم ثباتي: هل نحن  ” القليل من الآخرين ” خارج نواميس التطور؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى