الاقتصاد الأخضر والتطبيقات العمانية

 شيخة الفجرية | كاتبة عمانية

Painting by Antonio Guzman Capel

نشأنا منذ طفولتنا في مدارسنا الابتدائية في عُمان، على مسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية، هذه المسابقة التي يتم فيها تعويدنا على النظافة الشخصية المثالية أولًا، ثم تتفرع اهتمامات هذه المسابقة السنوية بين جميع مدارس الولايات والمحافظات في السلطنة إلى عدّة محاور، على رأسها المحافظة على البيئة. في المقابل هناك جائزة عمانية للعالم، وهي جائزة السلطان قابوس للبيئة، التي تُعَدُّ أول جائزة عربية في المجال البيئي، وقد “تم تدشينها عام 1989م ليتم منحها كل سنتين لأي من الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات أو المنظمات ممن يساهمون في الحفاظ على البيئة وإدارة مواردها في أي مكان بالعالم”؛ ويُعرف عن السلطنة أنها من أوائل الدول التي أنشأت وزارة خاصة للبيئة باسم “وزارة البيئة”، وذلك لما للبيئة من أهمية في بلادنا. وتتعدَّد البرامج الدولية التي تلتفت للبيئة من زوايا مختلفة، فهناك الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وبرنامج الانسان والمحيط الحيوي، لتنتظم وفق اتفاقيات دولية؛ هي: اتفاقية التنوع الإحيائي، واتفاقية بازل، وبروتوكول السلامة الإحيائية، واتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتغيير المناخ؛ واتفاقية مكافحة التصحر.
كما أنَّ هناك العديد من المشاريع البيئية، التي تمت بالتعاون مع منظمات دولية؛ هي: برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، والمركز الدولي للبحث الزراعي في المناطق الجافة (ICARDA)، والمعهد الدولي للموارد الجينية النباتية (IPGRI)، ومنظمة التغذية الزراعية (FAO)؛ واليونسكو (UNESCO).
جميع هذه الجهات الأممية أفضت إلى أهمية تبني مفاهيم بيئية بعينها، ليتم في إطارها العمل البيئي المنظم، ومن هذه المفاهيم كان ” الاقتصاد الأخضر”، الذي اصطُلح على تسميته في بداية الأمر بـ” الصفقة الخضراء العالمية الجديدة”، وإبّان “مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية”، الذي عُقد في عام 1992 في ريو دي جانيرو في البرازيل، أصدرت الحكومات إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية ([1])، واعتمدت جدول أعمال القرن 21([2])، لتؤكد بأنه “ينبغي للدول أن تتعاون معاً على الترويج لإقامة نظام اقتصادي دولي مساند ومنفتح من شأنه أن يؤدّي إلى نمو اقتصادي وتنمية مستدامة في كل البلدان، وذلك من أجل التصدِّي على نحو أفضل لمشاكل التدهور البيئي”.
ثم بعد ذلك “صدر منشوران من البحوث الجامعية، قدّما لأول مرة عرضاً لمفهوم الاقتصاد الأخضر. الأول هو مخطط تفصيلي للاقتصاد الأخضر (Blueprint for a Green Economy)، الذي سلّط الضوء على الترابط بين الاقتصاد والبيئة باعتباره وسيلة للمضيّ قدماً في فهم التنمية المستدامة وتحقيقها”. ([3]) والثاني هو “الاقتصاد الأخضر (The Green Economy)، الذي نظر في العلاقة بين البيئة والاقتصاد في إطار أوسع نطاقاً، وأكّد أهمية العلاقة بين البشر والعالم الطبيعي”. ([4]) ومع أن هذين المنشورين طرحا لأول مرة هذا المفهوم، فإن الاقتصاد الأخضر لم يجتذب الانتباه الدولي إلا بعد قرابة 20 عاماً.
ولكن لم يتم التقدم في أمر الاقتصاد الأخضر إلا بعد 20 عامًا، إذ ” أطلق برنامج البيئة مبادرة شاملة بشأن الاقتصاد الأخضر في عام 2008، “، ليأخذ ” مفهوم الاقتصاد الأخضر شهرة دولية إضافية عندما قرّرت الجمعية العامة بمقتضى قرارها 64/236 المؤرّخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2009، أن تنظّم في عام 2012 مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الذي من شأنه أن يركّز على الموضوع المحوري الخاص بالاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر”.
ثم توالت الحكومات في العالم بإعلان خططها الاستراتيجية الخاصة بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، فكانت: “خطة بربادوس الاستراتيجية الوطنية 2006-2025 “، و”مبادرة الاقتصاد الأخضر الشاملة التي أطلقتها ولاية سان باولو” البرازيلية، و”اعتمدت كمبوديا خريطة طريق وطنية للنمو الأخضر في عام 2009″. ولحقت بهذا الركب كلًا من: الصين وأثيوبيا اندونيسيا، والأردن، وكينيا، والمكسيك، وجمهورية كوريا، وبابوا غينيا الجديدة، وجنوب افريقيا، ومصر، ورواندا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة؛ وأوروغواي.
أما بالنسبة للسلطنة فقد بدأت مشاريعها البيئية مبكرًا، إذ ” تم خلال الفترة من 1984م – 1993م تنفيذ برنامج لإعداد خرائط للمناطق الساحلية بهدف تحديد موارد التنوع الاحيائي بها والمخاطر التي تهددها وأولويات حمايتها، وذلك بالتعاون مع الإتحاد العالمي للصون”. وفي 1996م بدأ “مشروع الاستراتيجية الوطنية للتنوع الاحيائي وخطة العمل الوطنية (NBSAP) والذي شاركت في إعداده 14 جهة حكومية “، كما” أجرت السلطنة بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصون (IUCN) مسوحات ودراسات تفصيلية لبيئات ومناطق السلطنة”. ووفقًا لذلك عملت حكومة السلطنة بتشريع العديد من المواد القانونية؛ وذلك:
_ لمكافحة التلوث ومنع الإضرار بالبيئة الطبيعية وحماية الحياة البرية والبحرية.
_تم حظر صيد كافة انواع الحيوانات البرية في عام 1993م.
_ تم منذ عام 1973م انشاء العديد من المحميات الطبيعية، وعددها (68) محمية؛ منها: محميات الوعل العربي والمها العربي، ومحميات السلاحف، ومحميات الطيور ومحميات غابات وأشجار القرم، ومحمية جزر الديمانيات، ومحمية جبل سمحان الطبيعية، ومحميات الخيران التسع في ساحل ظفار، وحديقة السليل الطبيعية.
_ إقامة العديد من المؤتمرات منها منتدى عمان البيئي، ومؤتمر الاستدامة.
يقول الأستاذ حاتم الطائي (رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية) إبان أعمال منتدى عمان البيئي في دورته الثالثة؛ أنه” على المستوى الشخصي أجد أنّ السلطنة ربما تكون من الدول القلائل التي تملك جميع المقومات التي تؤهلها لتبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر، لعدة عوامل؛ في مقدمتها الالتزام الذاتي لدى أفراد شعبنا بحماية البيئة، …ودليل ذلك أنّ مشروعات واعدة نفذتها شركات عاملة في قطاعات توصف بأنّها “ملوثة للبيئة” لكنها نجحت في تنفيذ مشروعات موازية تدعم الاستدامة البيئية، وفق أعلى المعايير الدولية المتبعة. كما أننا في عمان قادرون على إنتاج طاقات متجددة بديلة للوقود الأحفوري، مثل توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهناك بالفعل تجارب رائدة بدأت تشق طريقها نحو زيادة الإنتاج وتحويله إلى تجاري، وأيضا طاقة الرياح، خاصة وأن هناك مشروعا واعدا لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في محافظة ظفار، والجميع يعول عليه كثيرا لإحداث نقلة نوعية في عمليات توليد الطاقة من المصادر المتجددة والصديقة للبيئة”.
أمَّا في مؤتمر الاستدامة الثاني، الذي رعت افتتاحه معالي ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية، بمشاركة نخبة من المتحدثين من مختلف القطاعات، فقد قالتْ معالي ليلى النجار -في كلمتها بالمؤتمر:” إنَّ الاقتصاد الأخضر الدائري يعد أحد المواضيع الملحة المطروحة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، وأحد أسباب ضمان التنمية المستدامة والعمل اللائق والرفاه للجميع في ظل تحقيق استدامة بيئية للأجيال المتعاقبة”، وقال الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال -في كلمته- إنَّ التمويل الأخضر يعد إحدى أدوات التمويل المبتكر، والذي يشمل السندات والصكوك الخضراء وتوظف هذه الأداة في المشاريع البيئية أو ذات شروط بيئية عالية أو في المسؤولية المجتمعية للشركات.
وفي جلسة حوارية أقامها النادي الثقافي، وأدارها أ.عبد الملك الدغيشي، وكانت بعنوان: “الاقتصاد الأخضر والتطبيقات العمانية”، شارك فيها الدكتور مهاب الهنائي الذي قال عن أهم مشاريع الاقتصاد الأخضر في السلطنة: “مشروع إنتاج الطاقة من النفايات، ومشروع لإعادة تدوير الأوراق، ومصانع إعادة تدوير البطاريات، إنتاج غاز الوقود الحيوي، ”
‏وكذلك شاركت الدكتورة ثريا السريري فقالت: “على الرغم من كل هذا الاهتمام، إلا أنه كان هناك تدهور كبير بالنسبة للبيئة، يعني تقريبًا 68% من التنوع الأحيائي انقرض، أو على وشك الانقراض… نصف الاقتصاد في العالم يعتمد على الموارد الطبيعية.. الاقتصاد الأخضر يحافظ عل رأس المال الطبيعي”، وفي ظل ما يعانيه العالم من التدهور البيئي بسبب الانبعاثات الصناعية السامة والضارة، تحدثت السريرية عن أهمية التشجير للتغلب على هذا الضرر؛ وهو ما يجب أن يؤخذ بجدية تامة دون النظر إلى ما يتوهمه بعض المسؤولين بأنها عوائق، وهي شح الأمطار والمياه..

([1])             تقرير مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، ريو دي جانيرو، 3-14 حزيران/يونيه 1992 (منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع  A.93.I.8والتصويبات)، المجلد الأول: القرارات التي اعتمدها المؤتمر، القرار 1، المرفق الأول.

([2])             المرجع نفسه، القرار 1، المرفق الثاني.

([3])             D. Pearce and others, Blueprint for a Green Economy (London, Earthscan Publications Ltd., 1989).

([4])             M. Jacobs, The Green Economy (London, Pluto Press, 1991).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى