كابل: انتصار المستضعفين، يَسْتَفِزُّ مشاعر أوغادٍ بربطات عنق

د. خضر محجز | فلسطين

Alexandra Manukyan Art Studio

الواقعية والثورة خصمان لدودان لا يلتقيان: فالثورة تمرد على القوانين، والواقعية خضوع لها.

حين تحقق الثورة بعض انتصاراتها التكتيكية، يلتحق بها الواقعيون، وقد رأوها واقعاً.

والواقعيون هؤلاء يحسنون ارتداء ربطات العنق وتنميق الكلام، وأعينهم على ما يمكن أن يحققوه من ثورة اكتسبت بعض المواقع وبعض المصاري.

ــ لا بأس، قد تكون هذه مجرد فوضى سريعة الزوال؛

يحدث الواقعيون أنفسهم وسط دخان الحشيش:

ــ لكن ما المانع أن نلتحق بها؟ فالحق أننا نخشى أن نكون قد تسرعنا في التحليل والحكم. دعونا نلتحق بالثورة.

طبعاً هم لن يلتحقوا بالبنادق والمدافع، بل بمجموعات من يكتبون البيانات في المكاتب.

وحين يلتحق الواقعيون بالثورة، تراهم أشد الناس تطرفاً، ذلك أنهم يشعرون في أعماقهم أن فرصةً ما قد أفلتت من بين أيديهم، تتمثل فيما صار في أيدي هؤلاء الثوار الحقيقيين، الذين يقودون الآن ثورة تبدو ناجحة، والواقعيون يرغبون في جني بعض ثمارها:

ــ دعونا نُكَفِّرْ عن واقعيتنا بالمزيد من التطرف.

يقول الواقعيون لأنفسهم.

وفي هذه المرحلة يؤذي الواقعيون الثوار الحقيقيين في الخنادق، بالكثير من الصخب والشعارات، والهروب من كل مواجهة فيها قليل من الخطر، ويستعينون على تبرير جبنهم بكلمات وجودية قرأوها هنا او هناك، فهم مجرد أوغاد بربطات عنق.

فإذا انهزم وعي الثورة كما حدث في أوسلو.. إذا انهزم وعي الثورة، عاد الواقعين ليرتدوا الحلل الباريسية وربطات العنق الفاخرة، ليقولوا لنا:

ــ إن الواقع يقول كذا.

والحق أني قد شهدت، مثل هذا، في السنوات الأولى التي تبعت أوسلو:

أنصاف شعراء، وأنصاف نقاد، وأنصاف بنيويين، وأنصاف وجوديين لم يقرأوا الوجودية،،،، أنصاف في كل شيء..

وجدت أنصافاً بربطات عنق، يلوذون بفتيات يؤمن بحرية الجسدـ يدعون الشعراء إلى الكف عن كتابة الشعر الرديء.

وكل شعر في الثورة والوطن هو رديء بالضرورة ـ في نظر الواقعيين ـ لأن الشعر في نظرهم هو ما يعرض لقضية خالدة. والوطن قضيته ستُحل فلا يعود للقصيدة وهجها السابق.

ــ لا تكتبوا قصائد رديئة

قالوا،

حتى صرخ المرحوم ممدوح عدوان في وجوههم وقد طفح كيله من وقاحة خيانتهم:

ــ أيها الشعراء، اكتبوا قصائد رديئة.

الآن يعاني الواقعيون من هزيمة واقعيتهم، فيهربون منها إلى واقعية أشد: التماهي في الاحتلال، والندم على كل لحظة كرهوا فيها العدو.

إنهم يوحدون بين انقلاب المتدينين الجدد وانتصار الشعب الأفغاني. وذلك يقتضي ـ بالضرورة ـ أن أعماقهم تُوَحِّدُ بين المحتل الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية.

يبدو لي أن الواقعيين يوشكون أن يهتفوا:

ــ عاش الاحتلال الصهيوني.

بل هم يعلنون ذلك منذ زمن.

هذا هو تحليلي لحزن الواقعيين على هزيمة أمريكا، حتى إنهم سَمّوا حكومة الرئيس الأفغاني ـ التي لعنها عرفات ذات يوم واعتبرها مثال الخيانة ـ حكومة مدنية، وسَمّوا الشعب المنتصر عميلاً لأمريكا.

لقد كان وعيهم شديد التعاطف مع العملاء الذين يتعلقون بأذيال الطائرة. يبدو أنهم يؤخلون انفسهم لموقف كهذا يخشون أن يكون قريباً..

كل بندقية لديهم قبيحة. وكل استخذاء لديهم ذكاء.

يتبقى لي من كل هذا الهذر الذي خرج من أفواههم وأستاههم في اليومين الماضيين، أنهم يقولون إن هروب امريكا تمثيل.

حسناً، فهم ما يزالون يهمسون إن أمريكا عدو، لكنه عدو إلهي قدير كلي الحكمة والقوة، لا ينهزم.

هل هذا بصيص أمل في وسط ضوضاء شعار الأوغاد؟

ربما

أمريكا قبيحة ولو بالكلام، في همس الواقعيين المنمقين.

حسناً سنبني على هذا أيها الأوغاد، حين تلتحقون بالثورة قريباً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى