دعسات ضوء

هند خضر | سوريا


يستلقي سواد الّليل على جسد الكون بأكمله ، يغفو بين أحضانه ،تتصاعد وتيرة الهدوء تدريجيّاً ما بين منتصف الّليل و ساعات بزوغ فجر آخر ..
لاهدوء في الهدوء كما نعتقد ،فهناك أرواح متعبة تعلو صرخاتها كلّما ساد السّكون ، قلوب يزداد أنينها كلّما غرز الوجع أنيابه في ثناياها و عيون ماطرة أعياها دمعها وهي تنتظر على شرفة الأمل بأن تلمح بعد هذا الظّلام فجر يرتسم على وجه الإصباحات البائسة ..
بدأ الّليل يلفظ أنفاسه الأخيرة ليلقي بظلامه في آبار نهاية يوم من خارطة الأيّام معلناً إشراقة نهار جديد ..
استفاقت والدة شمس على أنين صادر من غرفة ابنتها الطّالبة في الصّف الثّالث الإعدادي، وضعت يدها على قلبها وهرولت مسرعةً بعينين مفتوحتين وهي تكلّم نفسها يا إلهي ماذا حصل ؟
الأمّ :ما بكِ يا ابنتي ؟ماذا يؤلمك ؟
شمس :أشعر بألم لا يُحتمل في رأسي
الأمّ :سأجلب لك مسكّناً للألم يا فتاتي -لا تقلقي – ستتعافين …
شيئاً ما وخز الوالدة في لبّها ولكنّها رفضت أن تستسلم لأفكارها السّوداويّة وسرعان ما نفضت عنها غبار الخوف وحافظت على قوّتها واتّزانها أمام ابنتها..
إنّه قلب الأمّ لا يخطئ ..
مرّت بضعة أيّام لم تنمْ شمس فيها فأوجاعها تزداد شيئاً فشيئاً وقلق عائلتها يكبر يوماً بعد يوم ..
عند أخذها إلى طبيب مختصّ وبعد إجراء الصّور الّلازمة تبيّن وجود ورم خبيث وتحتاج إلى عمل جراحي لاستئصال الكتلة من الرّأس في أسرع وقت ممكن ، لقد سرق هذا الخبر أحلام شمس وعائلتها وسلبهم هدأة الرّقاد كلصّ محترف بينما كانوا ينتظرون انتهاء العام الدّراسي كي يذرفوا دموع فرح النّجاح ،صمت قاتل ممزوج بصرخات ممنوعة من الخروج ،عيون وقفت فيها الدّمعة حائرة لاتستطيع السّقوط ولا التّراجع وأكفّ مرفوعة للسّماء تطلب من الّله الشّفاء …
عاشوا على قيد الأمل رغم اليأس ،زوّدوا شمس بابتسامة لاتُقهر رغم الدّمع وقبل إجراء العمل الجراحيّ قالت لها أمّها : شمس يا ابنتي هناك دعسات ضوء على درج منزلنا ..
بالفعل طرق الضّوء بابهم وتبدّدت معه كلّ بقعة ظلام عندما تعافت شمس وتكلّلت جهودها بتفوّقها …
لقد ذهبت الرّيح أدراجها بعد أن زحفت على خضرة أوراق شمس وحاولت العبث بها ..
كمشة أمل قادرة على قهر الألم …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى