حكايا من القرايا.. ” نقل الماء “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

يقولون ” ميّة النقل ما بتروي جمال “… وكيف كان ماء النقل يسد حاجة البيت؟ سؤال كبير، وفي فحوى الإجابة مشقة ما بعدها مشقة…
كانت عين الماء تروي الناس جميعهم… وكانت النساء – الله يعطيهن العافية – هي المكلفة بنقل الماء على الرؤوس… تحمل المرأة تنكة الماء أو الجرة أو العسلية من مكان بعيد… وكم كانت تتفنن المرأة المعدّلة بحمل الجرة، حيث تحملها مائلة على رأسها، وتمشي بها المسافات، لتصل بيتها، وما أن تصل حتى تصب جرتها في زير الشرب، الذي يلف بخيشة مبللة ليرشح الماء ويبرد ما فيه… وتعود الفارسة حاملة الجرة فارغة لتملأها مرة أخرى… وأخرى… ومرات… الله يعينهن، تخيلوا نقل الماء على الرؤوس لسد حاجة الشرب والطبخ والغسيل والحمام… وحتى لشرب الطيور والمانوحة في البيت… وحتى تكسب المرأة الوقت كانت تسري في (نصاص الليالي) تنقل الماء… حتى إذا طلع الفجر، اكتفت الأسرة بمائها، وانطلقت ربة الأسرة إلى أعمال بيتية أخرى…
كما نقلوا الماء من العيون والآبار البعيدة على الدواب – أجلكم الله – فكان الحمار مثلاً يحمل على ظهره أربعة (كلان) حديدية، (كلنين) في كل جانب… وعندما كان يسيل (الكلن) كان يعالج بقشة تدق فيه، وتسدّ الخرق…
الله يعين من كان يمتلك حلالاً، أغناماً أو أبقاراً… إلخ… هذا كان عليه أن يسقيها من الآبار البعيدة، الآبار التي لا يستخدمها الناس للشرب، وكانوا يسقون منها حيواناتهم بالمجان حيناً، وأحياناً يشترون ماء البئر، ويقيسون الماء في البئر بالأشبار… فيشترون شبراً أو شبرين أو ثلاثة من مائه… حيث يدلون حبلاً في البئر ويربطون في طرفه حجراً، حتى إذا ارتطم الحجر في قاع البئر انتشلوه وقاسوا بأشبارهم القطعة المبلولة من الحبل… وللآبار أسماء، فهناك بير الهيش، وبير الخلايل، وبير العقدة، وبير الشعفور، وبير الصفا… وبير اسراع… إلخ…
فيما بعد، أصبح البئر كما الطابون ركنين أساسيين من أركان الدار، فلا دار بلا بئر وطابون… وبذا ضمن الناس المسكن والمأكل والمشرب… وكانت الحياة… والبير الأحلى والأبرد ماءً هو ما حفر في الحِوّر، حيث ماؤه بوزة في الصيف، ودافىء في الشتاء… من قرأ السيرة الذاتية ” البئر الأولى ” للرائع الفلسطيني ” جبرا إبراهيم جبرا ” يرى مركزية بير الجمع وأهميته في حياة الفلسطيني…
كانت (الرتشوة) الركوة على بابه وهي أما جلدية، أو حديدية… وبابه نوعان إما جارور (أصعب في الفتح لكنه أكثر سلامة خصوصاً للأطفال) أو ردّاد (أسهل في الفتح)… وانتشال الماء من عمق سبعة أمتار ليس بالأمر السهل… فأتوا بمضخة لشفط الماء من البئر، يحركها البني آدم يمنة ويسرة، فينتشل الماء من البئر، ويصب في برميل…تلك كانت موضة مريحة نسبياً، قبل وجود الكهرباء وتوظيفها في رفع الماء من البئر…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى