إذا تمكنت من العيش مرة ثانية

بقلم: فتحي مهذب|  تونس
سأبتني شقة جميلة للجنون
وأملأها بالمزهريات والموسيقى.
أستدعي سيلفيا بلاث لتنظيف مشنقة العائلة من بقع الدم.
أرشح تشارلز بوكوفسكي لإلقاء خطبة التأبين بالإشارة.
سأكون عضوا صالحا في جنازة عذبة.
سأشذب أغصان التابوت
ومن دموع الأرامل أصنع عصير الأناناس.
سألعب كرة السلة في المشرحة
مع خورخي لويس بورخيس.
سأكون طيارا جيدا يقطف النجوم
ويوزعها على الفقراء.
إذا تمكنت من العيش مرة ثانية.
سأدعو المنتحرين إلى حفلة عشاء فاخر.
سأرتاد المقابر في العتمة.
سيضيء مسدسي مثل مصباح علاء الدين.
أوقظ أمواتا كثرا.
أمنحهم سلالا من ثمار المانقا.
أهدي دراجتي إلى جثة طازجة.
إذا تمكنت من العيش مرة ثانية.
سأملأ جيبي بقوس قزح.
أفرغ عيون أمي من الغيوم.
أغسل كرسيها المتحرك مرة كل يوم.
أمسح زجاج صلواتها من الصدأ والغبار.
إذا تمكنت من العيش مرة أخرى.
لن أفكر في عذاب القبر
أو في حزمة مفاتيح خازن النار
لن أفكر في الأنهار العذبة والجواري الممشوقات.
سأمنع العلل الأولى من زيارة رأسي.
أبتني أعشاشا مذهلة للمتصوفة
ليغردوا بعيدا عن صخب المدينة
ويناموا مثل لقالق مضطهدة
على قش اليوطبيا.
سأبتني ملجأ على طراز سلجوقي
للأيتام والفلاسفة
وكلما ضاقت بي الحال
أمتطي فرس مخيلتي
وأطارد لاعب الجمباز الأشقر..
الزمن الذي لا يترهل أبدا.
إذا تمكنت من العيش مرة ثانية
سأضاجع الملكة بلقيس في الحانة.
أصفعها على قفاها لئلا تستسلم إلى جنود سليمان.
سأهدم قصرها المنيف بأسناني.
وأخصي الهدهد كريه الرائحة
أشوه سمعته بمنطق الطير.
أنا لا أحب كبار الصيارفة وتجار الأسلحة والكهنة.
إذا تمكنت من العيش ثانية
سأصنع مركبا عظيما
وأحمل متناقضاتي مثل أسرى الحرب.
سأعامل طفولتي بوداعة مفرطة
أحميها من القناصة والدينصورات
من الزمن ذي المخالب الحادة
والذئاب التي تتدافع في الشرايين
سأعاملها مثل ملكة فرعونية
في قصر توت عنخ أمون
أرفع إليها الصلوات والقرابين
وأحرسها من الدسائس والأفخاخ
من فهود المتكلمة وزيزان المناطقة
ويكون الماء حاجب البيت الأمين
وبنات نعش جيراني الأثيرين.
إذا تمكنت من العيش مرة ثانية
سأزرع شجرة كاكاو في المبغى.
أنصت جيدا إلى بلاغة الجسد
وزئير نهود المومسات.
وانكسار جرة الشهوة في الأسفل.
سأطعن البغي بلساني.
سأذهب إلى الحرب
لاسترداد حقول الذرة
كنز عائلتي المفقود.
سيكون لي أصدقاء كثر من طيور الكراكي.
سأقرر مصيري في بستان الجارة ماري.
وأعترف لشجرات اللوز بجرائمي المكرورة.
بقتلي المتعمد لغزالة آخر الأسبوع.
بممارستي الرذيلة في الباص.
السخرية من طبيعة الأشياء.
سأنتحب طويلا في الصحراء
منتظرا ظهور الله
أو بريدا يحمله ملاك من سدرة المنتهى.
سأخاتل زرقاء اليمامة.
أطلق ثيران الشك لغزو القلعة.
سأحاول نسيان كل شيء.
يوم ولادتي في ظروف بائسة.
الصفعات التي تلقيتها في حزيران.
سأقلص إلى حد ما من حروب عادتي السرية.
أوصد باب مخيلتي في وجه الحسناوات.
أحافظ على ماء السلالة من الإنقراض.
أرتدي قبعة رولان بارت بعد موته الشنيع.
ليزدهر شجر النقد في مخيلتي.
سأحاول نسيان الضرير
الذي حملني زقفونة في حواري اللاذقية
يتبعنا علي ابن القارح على دراجة من القش.
إذا تمكنت من العيش مرة ثانية.
سآكل شطائر البيتزا بنهم مفرط.
أعتلي مؤخرة جارتي المكتنزة.
أشرب الخمر في غرفة الإنعاش.
أملأ حياتي بالمجوهرات والنساء.
سأكون منظرا هاما لنهر الكينونة
سأحتفي بضفدع (باشو)
بطحالب المصادفة الغريبة
بإيقاع المياه المسحور
سأجبر سيزيف على قطع خصيته
وإطعام فهد اللامعنى.
سأصلي مرة واحدة في الأسبوع.
وأفكر في بنيوية هذا الفراغ المركب.
سأنزع وجهي الداخلي وأرميه لأسماك القلق.
أملأ عيني الدادائيتين بمكعبات الضوء.
سأقتاد العالم المتوحش إلى محاكمة عادلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى