نصوص ورؤى: قراءة في نصوص الشاعر عبد الحكم العلامي

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

(سيكون عليك
أن تخلو قليلا لهذا الفصيل من البشر
٠٠٠
هنا عليك أن تقف متأملا راصدا أحوال كل من يعيش علي الأرض من البشر لتجدر بك الإشارة نحو الفصيل الذي حدد ملامحه وصفاته الشاعر؛ بل ووضع له نبوءته التي رسمها في صيغة المضارع في (يشغلون، يؤوون، يقيمون، يلوون).
….
هؤلاء الذين يشغلون ركنا قصيا…..

….
….. إلخ

هم لا يلوون علي شيء.
ويعدد الشاعر ببساطة التقنيات التي اعتادها وصفا دقيقا لهذا الفصيل الذي يقف علي الحواف وتفصله المسافة التي يحيط بها الكثير من الغموض؛ لكنه يضع لنا بذرة الضوء التي تفصل بينهم من خلال العادات والموروثات والديانات الأخر وحدد ماهيتهم، بل والمكان الذي يأويهم بشرق العالم والمسافة هي المسافة التي تفصلهم وعوالمهم عن العالم الذي يقبع قريبا منهم،لكنه يقف في بنية فاصلة عنهم باستخدام اسم الإشارة “هناك”، كما أن الفواصل بينهم تضاعف مساحات الحذر.
الشاعر هنا يستلهم واقع معايشته لأحوال العالم في رجفة الخوف والفزع من الأحوال والأهوال والاوجاع فينثر شعريته في بنيتها التي اعتادها مؤخرا، لكن بمسالك جمالية مغايرة؛* _منها تنظيم حركية الأفعال في بنية الأحداث وتواترها.
*_ منها تخيلات واقعية فواصل الأحوال وإنتاج مدلولها.
*_ منها اختيار المفردات المؤهلة لجر عربة الدلالات في إنتاج إيقاع مؤهل لهيبة التلقي في سيمفونية توغل الأفعال لمداخل النفس البشرية المستقبلة.
_ منها مقاصد ارتكازية أحوال العالم داخل منبت هذه الشعرية؛ ليتحقق منها الدال والمدلول في نطاق نتائجها التي تفاعلت مع الشاعر قبل ولادتها، وتلك جمالية إضافية لن يصل لحدها ويرصدها غير شاعر وليس ناقد.
محبة لك ولنصك الذي يفصل منتجه الكلي عن عوالم الشعرية التي بارت فوق أرض أغرقتها فيضانات ضارة وقد غطت علي بذور الأمل في شعرية نابضة لكنها لم تزل تحت كومة المخلفات من وقع فيضانهم.
°°°°°
النص. للشاعر عبد الحكم العلامي

(العالم هنالك)

سيكون عليك
أن تخلو قليلا لهذا الفصيل
من البشر !
هؤلاء الذين يشغلون
ركنا قصيا
من هذا العالم
يؤوون إليه
يقيمون على تلك
الحواف !
هم لا يلوون على
شيء
لهم طبائعهم
وعاداتهم
وتقاليد توارثوها
ولهم ديانات
أخر !
المسافة بينهم
وبين هذا العالم
يحيط بها الكثير
من الغموض !
هم بشرق هذا العالم
والعالم هنالك
والفواصل بينهم
تضاعف من مساحات
الحذر !
فهم بشر
كباقي البشر
لهم أحلامهم
وأمانيهم
وطموحات لا حدود
لها
ولهم كذلك مغرياتهم
الكثر !
لا يكادون يعرفون شيئا
عن هذا العالم
والاتصال بهم
ضنين !
ولهم أفراحهم
وأحزانهم
ولهم من الأعياد
ما يحفزهم على مواصلة
العمل
وما يضمن لهم سبل
السعادة
في الغدو
وفي الرواح
ولهم مواسم للحصاد
ولهم أغان
يتحلقون على صدى
ألحانها
ولهم الكثير من الليالي
للسمر !
لا يعرفون طعما
للهزائم
وليس لديهم
مخلفات للحروب
ولا يخافون على
مصائرهم
وليس في حسبانهم
ما يدار من المكائد
وما يحاك بأخريات
الليل !
وليس لهم مطامع
في الكثير
من الحوائج !
هم بشرق هذا العالم
والعالم هنالك
والفواصل بينهم
تضاعف من مساحات
الحذر !!

°°°°

الرؤية
كما يليق بمحارب قديم
سأضع أوزار الحرب جانبا
مفارقة عجيبة ان يحدد الشاعر هنا منحة التعظيم والسلام للمحارب الذي هو نفسه الذي يقود الحرب ويتسبب في أوزارها وتزيد المفارقات عجبا أن الشاعر يستلهم لحظات ذكرياتها المخبأة بين رماد وأطلال صنيعها
الشاعر هنا يمنح زمام شعريته أفقا يحدد مراسم الدلالات المنتجة،بأن استخدم تقنية التضادات في مراسم الدلالة ذات التأويل الذي رسمته هذه التضادات، بأن أوجد “المحارب القديم” معادلا للخير لأنه ليس الطرف الساعي للحرب رغم أنه أحد أدواتها، وجعل الحرب بكل أوزارها هي المعادل الاخر “الشر”، وهنا لم يقم الشاعر بتوصيفات لهذين المعادلين ولم يقدم أدلة تتحقق منهما دلالات ونتائج لم تحقق ما يرجوه الشاعر لمسارات الشعرية للوصول إلي نتائج جمالية غير مقلدة.
ليجيء لنا الشاعر هنا أيضا بمفارقة وتضاد قد يبدوان تقليديين وهما بالفعل تقليديا الأدوات في مفردتي ” الليل والنهار”، لكن وجودهما في سياق سردي انتج حدث الفعل ودلالته بمسار آخر غير تقليدي؛ حيث جعل النهار معادلا للحركة الطبيعية في العمل وخوض المعارك المجابهة لفعل آخر يحدث في الليل الذي زادت بواعث الألم من اليقظة وحمل السلاح، ثم يجيء المعادل الثالث في لغة التضاد ليرسم هنا بطولة النص “الأنسنة” التي قضت عليها الحروب في مختلف الازمنة.
ربما كانت مفردة” العسس” هنا لم يتحقق من وجودها الانسجام العضوي بين مفردات السرد الشعري وبين إنتاج الدلالة في مدارات الجمالية لأن المحارب القديم رغم أن وجوده داخل الحرب ووصفه بالعسكري هو معادل لمفردة “الحرب” وجزء من إنتاج الدلالة المعنية التي خرجت عن مسارها الدال في طبيعة وجودها إلي طبيعة الترقي من فعل الشر إلي فعل الخير لتمنحني هذه المفردة مسارا آخرا مخالفا لنتائج الدلالة المدهشة التي تحققت في شعرية النص المدهش.
°°°
النص:

(من أجل السلام)
………….

كما يليق بمحارب
قديم
سأضع أوزار الحرب
جانبا
وأحدثكم عن خبيء
الذكريات !
….
الأمر لم يكن أبدا
بهذه السهولة
فقد كان علينا
أن ندير شؤوننا
هكذا
بمفردنا !
اليوم كان ثقيلا جدا
أما عن الليل فحدث
ولا حرج
خاصة فيما يتعلق
بنوبات الحراسة
فقد كان عليك
أن تظل هكذا
يقظا
وسلاحك إلى يمينك
وعيناك مصوبتان
إلى الغادين
والرائحين
وقلبك معلق بخطوات
العسس
وهم يلقون إليك
بكلمة السر !
الأمور كانت تسير
بشكل جيد
لكنا حينما كنا
نتذكر الغارات
في أخريات الليل
كنا نقاضي اليوم الذي
سميت فيه الحرب !
واللحظة التي انطلقت
فيها
أول رصاصة
إلى قلب جندي
كان يمر على تلك
السياج
آملا في أن يعود !!
وكيف كان فرحا
حينما أبلغ بحصوله
على يومين اثنين
إجازة
لرؤية ذويه !
وكيف ظل يتقافز
هنا وهنالك
على هذه البسط
من هول المفاجأة !

لم يكن الأمر سهلا
على الإطلاق
وكما يليق بمحارب
قديم مثلي
سأظل مدافعا
عن بقية الجنود
الذين رووا بدمائهم
تراب هذه الأرض !
ولم يكن في حسبانهم
أنهم مشاركون
في أسوأ اختراع
عرفته البشرية
على هذه الأرض
يسمى :
الحرب
من أجل السلام !!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. منصة ثقافية عربية كبيرة، وزوارها هم كبار المبدعين والمهتمين في معظمهم
    لمجلس التحرير وفريق العمل كل الشكر.
    محبتي الخالصة.
    عمارة إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى