شكرًا أيّها الأحرار، يا أسرى القضيّة، ورمز المقاومة

محمد بن قاسم بن ناصر بو حجام | الجزائر

خروج أسرى فلسطينيّين من سجن “جلبوع” حصن الكيان الصّهيوني المنيع، محطّة مهمّة في مسار القضيّة الفلسطينيّة.. هذا الحدث يرسل رسائل عديدة للعالم بكافّة مكوّناته وأطيافه، كلّ فرد وكلّ هيئة وكلّ تنظيم وكلّ دولة، وكلّ منظّمة.. تفهمها بحسب وعيها وإدراكها وتعاملها مع قضيّة المسلمين الأولى، التي لا تنازل عن الظّفر فيها والانتصار على المحتلّ الغاصب.

في الحدث دلالات على قوّة اليقين بالنّصر على الظّلم والإجحاف والغطرسة ونكران الحقّ المشروع. فيه بيان واضح وتحذير من الخيانة والانبطاح والتّطبيع، وأنّ كلّ ذلك مآله الفشل المحقّق الذّريع، والمصير المخزي المريع. 

في الحدث إيماءات لقوّة الإرادة والعزيمة والتّحدّي والمغامرة والمثابرة في سبيل التّحرّر والانعتاق والدقّ على الأعناق واستقبال النّصر بالعناق.. فالحقّ يؤخذ غلابًا، والدّنيا جهاد، وما ضاع حقّ وراءه طالب. وللحريّة الحمراء باب بكلّ يد مضرّجة يُدقّ، ويَدُكّ حصون المعتدين مهما يطل بهم زمن الإرهاب والفتك والقهر. فإنّ عاقبة الظّلم الاندحار، وعاقبة الجهاد الانتصار بإذن الله تعالى الجبّار.

حدث الانفلات من حصن حصين في تقدير العدوّ وتدبيره.. كشف هشاشة هذا التّحصين، وأعلن للعالم بأسره أنّ ادّعاء الكيان الصّهيوني القوّة ما هو إلاّ ترهيب وإبعاد للخطر من محيط الظّالم والغاشم، فحين تتحرّك الإرادة للتحرّر من الهون والجبن والهلع والفزع.. يصاب العدوّ بانتكاسات وهزائم ماديّة ومعنويّة.. فتكون هذه الحال وقودًا آخر يذكي حرارة التّقدّم في النّضال، والحماسة في الجهاد، والصّمود في الميدان.. ألا إنّ نصر الله  آت بعونه وتوفيقه: إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالذينَ آمَنُوا  في الـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ(غافر/ 51).

حدث تسلّل أسرى القضيّة الفلسطينيّة الأباة أربك الكيان المحتلّ، وأوقع في تحرّكاته اضطرابات واختلالات وتصدّعات وانشقاقات عميقة، حفرت في نفوس أبنائه وقياداته خنادق من الحيرة والقلق والضّجر والخوف، الذي هو طبيعةٌ وجبلّةٌ فيهم. فوجدناهم يتصرّفون بكثير من الشّكّ في قدراتهم وكفاياتهم للتّصدّي لِـما لم يتوقّعوه من مقاومة ثابتة الخطى، مكينة في عدّتها القاهرة لكلّ غطرسة واستبداد، ورأيناهم يخبطون خبط عشواء في ردود أفعالهم غير الـمركّزة ،لا يدرون بماذا أصيبوا أصلاً، ولا يعون ماذا حدث لهم فعلًا.. ولا يعرفون كيف يتصرّفون.. هذه هي حال الجبابرة والظّلمة والـمدّعين القوّة وهم لا يملكونها، فهم يتّكئون على منساتها الهشّة، فتخرّ بهم لأقلّ سبب، وأبسط فعل يأتيهم من المظلومين..

حدث تخلّص أسرى الكرامة والحريّة ولشّهامة والشّجاعة والبطولة من قبضة العدوّ – ولو لأيّام – .. فضحت الخيانة التي لازمت من لا يراعي في العهد إلاّ ولا ذمّة، ولا يملك ذرّة ولاء ووفاء وصفاء.. مع الجهاد المشروع والمكابدة الحقّة لاسترجاع الحقّ المغصوب.. فَدَعَّتْهُمْ خيانتُهم  دعًّا على الإبلاغ عن أحرار القضيّة الفلسطينيّة المتسلّلين من سجن جلبوع؛ طلبًا لرضا العدوّ عليهم، ورَغَبًا في كسب ودّهم، وَرَهبًا من سخطهم عليهم، وضربًا للقضيّة من الخلف.. لكنّ جزاء الخيانة يكون قريبًا بإذن الله. وما أضرّ قضايا التّحرّر غيرُ الخيانة.. وما كان العدوّ الصّهيوني ليحصل على بعض ما يشتهي إلاّ بِـجُبْن من يُفْتَرَضُ أن يكون شجاعًا مع الحقّ المسلوب.. وما كان الكيان الصّهيوني ليتقوّى ويستأسد ويتنمّر ويستنسر في أرض الأحرار والشّجعان لولا القوّة التي جاءته من الخيانة والخذلان والجبن  وبيع الذّمم والانبطاح والتّطبيع.. ما أروعك يا شاعر الثّورة الجزائريّة ويا صاحب القضيّة والرّسالة مفدي زكريّاء، حين قرّرت:

إنّ الـجَبانَ على البلاد   مصيبةٌ          عظُمَتْ، فيا أرضُ  ابْلَعِي الـجُبَنَاءَ

وأنا أقول: 

إنّ الـخَؤونَ على الـجهادِ جريرة

كَبُرَتْ، فيا  أرضُ  ابْلَعِي  السّفهاءَ

 لكنّ هذه القوّة الزّائفة تزول قريبًا إن شاء الله..فلا تحسبنّ الله مُخلفَ وعده رسُلَهُ إِنَّ اللهَ عزيزٌ ذو انتقامٍ (إبراهيم/ 47). وَلَا تَـحْسِبَّنَ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِـمُون.(إبراهيم/ 42). 

حدث خروج أسرى المقاومة الفلسطينيّة من أهمّ سجن في إسرائيل وأشدّه تعذيبًا وتحصينًا.. فتح أعين العالم على حقيقة قوّة الكيان الصّهيوني المزعومة، وبيّن أنّ تحصيناته الأمنيّة هشّة، وأنّ ما يدّعيه من امتلاكه كلّ  أسباب القوّة التي تمكنّه من فرض وجوده وسياسته ومنطقه، والاستحواذ على المنطقة التي يحلم ويخطّط للسّيطرة عليها و.. و..بيّن أنّ كلّ ذلك ادّعاء باطل، وقوّة مزيّفة، وهراء من القول وخواء من الفعل..   

شكرًا لكم أيّها الأحرار البواسل، يا أسرى القضيّة، ورمز المقاومة، ومثال المغامرة وعنوان الكرامة.. لقد شرّفتم أنفسكم ووطنكم وعامّة المسلمين وكافّة أحرار العالم بجرأتكم وشجاعتكم وإقدامكم؛ بوضعكم أقدامكم على رقاب الجبناء والأنذال.. وَلَفَتُّمْ أنظار كلّ النّاس: الأعداء والأصدقاء، الفضلاء والسّفهاء، الأخيار والأشرار.. أن يعيدوا النّطر في التّعامل مع قضايا التّحرّر، وأن يفهموا جيّدًا أنّ الحقّ المغصوب لابدّ أن يعود لصاحبه، طال الزّمن أو قصر.. حتّى لو أعيد بعضكم إلى السّجن مرّة أخرى، فقد سجّلتم هدفًا كبيرًا قاتلا في مرمى العدوّ .. لن يبرأ منه حتّى تتحرّر فلسطين بإذن الله.. فسيبقى عملُكم فخرًا واعتزازًا وشارة علوّ في النّفس وعلامة سموّ في النّضال. أبشروا فإنّ النّصر آت، واندحار العدوّ قريب..فالله لـمن يخلص في الجهاد ولـمن يستنصره مجيب. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى