بين صبرا وشاتيلا، ودخول المازوت الايراني،انقلاب كلي للصورة

بقلم: عصري فياض

نتحدث عن تسعة وثلاثين عاما، المسافة الزمنية الفاصلة بين ما جرى بعيّد خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان بناء على الاتفاق الذي أشرفت عليه الادارة الاميريكية عبر موفدها فليب حبيب في آب من العام 1982، وما تلاه من إغتيال الرئيس اللبناني وزعيم حزب الكتائب المتعاون مع اسرائيل بشير الجميل، ودخول قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات الكتائب والقوات اللبنانية وجيش لحد للأحياء والمخيمات الفلسطينية في بيروت ألغربية، وارتكابها مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، والتي ادت لمقتل نحو الفيّ فلسطيني ولبناني في تلك المنطقة من القسم الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، بعد الانسحاب المفاجئ لما سمي بقوات المتعددة الجنسيات الامريكية والفرنسية والغربية من بيروت،الامر الذي كان تنكرا وتراجعا فاضحا لتعهدات الادارة الامريكية وموفدها فليب حبيب، والذي كان درسا سياسيا قاسيا لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت قد خرجت بمعظمها المسلح من لبنان لدول عربية كثيرة ومتباعدة،والقوى الوطنية اللبنانية التي أدركت ان كل ماجرى هو إمعان في التآمر والعدوان، وان الثقة بوعود امريكا والغرب درب من الجنون، وأن المقاومة هي الحل الوحيد، ولغة التعامل مع المحتل واتباعه وداعميه من امريكان وغربيين.

هذا جانب، والجانب الآخر اليوم، أي بعد تسع وثلاثين عاما،لبنان الذي يمتلك مقاومة نمت وكبرت وتعاظمت، أجبرت المحتل على الانكفاء في العام 85 إلى ما كان يعرف بمنطقة الحزام الامني في جنوب لبنان والبقاع الغربي، ووضع هذه المنطقة تحت الضغط العسكري المقاوم لمدة عشرين عاما ضمن عمليات مدروسة ومتطورة وإبداعية ومتصاعدة، أجبرت المحتل على الانسحاب المذل في ايار من العام الألفين دون قيد أو شرط، وحربها معه في العام 2006، والخروج بنصر إلهيّ، وتعاظم هذه المقاومة لتكون شأفة الدفاع عن لبنان في كل المجالات، وصلت اليوم لتسجيل إنتصار إقتصادي واضح، في موقع محاربة الحصار الاقتصادي المقنع، والذي تحاول امريكا والغرب فرضه على لبنان من أجل تركيع مقاومته وشعبه الحاضن بمعظمه لهذه المقاومة من أجل سواد عيون اسرائيل، هذه المقاومة خرجت من ساحة الفعل العسكري والسياسي لساحة الفعل الاقتصادي العملي المقاوم، فلم ولن تقبل لشعبها وجماهير الشعب اللبناني طوابير الذل أمام محطات الوقود، فبادرت بكل ثقة وتحد في جلب الوقود الايراني عبر سفن وصلت اولها الى ميناء طرطوس السوري قبل ايام، ثم نقلت هذه المادة عبر صهاريج إلى مخازن مؤقتة في ضواحي بلعبك تمهيدا لتغذية الحاجة اللبنانية وفق آلية مفصلة وواضحة بينها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة، والتي أظهرت ان هذا الحزب، وهذه المقاومة أبعد من قوة عسكرية سياسية متعاظمة، ـــ بل خيل لك وأنت تستمع لادق التفاصيل من الامين العام في تلك الاطلالة أنك امام خبير اقتصادي كبير، أووزير طاقة محنك بارع في كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال ـــ ،بل هي قوة اقتصادية قادرة على تحريك مياه وأساطيل، عبر محيطات وبحور تحت الشمس، وفي وضح النهار، دون ان يتمكن عدو متربص من النيل منها تحت وقع معادلات الردع التي رسختها المقاومة هناك على إمتداد سنوات وعقود ألمواجهة، وكذلك كسر الحاجة لهذه المادة الاساسية والتي يعاني منها الشعب اللبناني من فقدانها أو ندرتها، وكسر حالة الاحتكار والجشع والتي يمارسها البعض من تجار حروب بقصد الكسب الفاحش على حساب معاناة الناس، وكذلك ستقدم المقاومة جزءا من هذه المادة للمشافي العامة ودور المسنين والأيتام وغيرها بشكل مجاني كهبة، اما المرافق الاخرى،فستباع المادة بأقل من سعر التكلفة، فالشعار هو عدم الربح، وسيتكفل الحزب وايران بتغطية الفارق بين سعر التكلفة وسعر البيع، والعمل ضمن آليه تضمن عدم تسريب أي جزء منها إلى السوق السوداء بقصد الاحتكار والاستغلال..

إن الصورة ما بين الزمانين شاسعة جدا، ومختلفة جدا،بل نستطيع ان نقول تجاوزت شعاع الـ180 درجة في التضاد، فبعد مجزوة صبرا وشاتيلا، شعر الفلسطينيون بأنهم خدعوا وتعرضوا للغدر، وان الوعود الامريكية والضمانات الغربية كان اقل ما يقال فيها أنها كاذبة ولا ثقة فيها، وكان الثمن الفلسطيني كان باهظا جدا، من زهق ارواح، واغتصاب نساء، وتشتيت لقوات الثورة، وتراجع الحالة ألفلسطينية، وتحقيق راحة لإسرائيل في التخلص من مجموعات فلسطينية مسلحة كانت تقض مضاجعها باستمرار من جهة الوحيدة المحاربة وهي الجبهة اللبنانية، بالمقابل فهمت القوى الوطنية اللبنانية المقاومة وعلى رأسها الجسم المتكون حديثا وهو حزب الله الدرس جيدا، ومع ما كان وما زال يتلقاه من دعم من جمهورية ايران الاسلامية نما بسرعة، بل ان الانتقام لشهداء صبرا وشاتيلا لم يتأخر كثيرا، حيث هاجم فدائيان لبنانيان من هذا التوجه الجديد مقر قوات المارينز والفرنسيين في لبنان في شهر تشرين اول من العام 83، والذي اسفر عن قتل مئات الجنود الامريكان والفرنسيين في بيروت، لتكون شرارة انطلاق مقاومة قال فيها شمعون بيريس:”إن ما كنا نواجهه مع الفلسطينيين مع ما نراه اليوم هو كلعب الاطفال “

إن النموذجين الماثلين امامنا سواء في الذاكرة، أو في الواقع، لهما خطان متعاكسان، متنافران، لا يمكن الجمع بينهما، او ايجاد حالة من التزواج بينمها، فخط المراهنات، والبحث عن الضمانات، والجنوح للحلول والتسويات، كانت نتيجة على الدوام الخسران والتراجع ودفع الاثمان الباهظة دون حصاد أي نتيجة، وهو لم يقدم في قضية شعبنا الفلسطيني شيئا، اما المنهج الآخر، فقد تجاوز العسكر والسياسة في حياة الشعوب ليكون حلا عمليا عميقا ومسؤولا في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى