من سليمان العيسى إلى عبد الرزاق الربيعي.. (رسالة أدبيّة من ربع قرن)

خاص | جريدة عالم الثقافة

 

سليمان العيسى: كتبتُ بحبر الشمس أغلى قصائدي

تنطوي الرسائل الأدبية على قيمة توثيقية، وثقافية، كونها تضيء مساحات من حياة الأدباء، وتفصح عن شؤونهم، وشجونهم، هذا النوع من الكتابة بدأ يختفي، مع اختفاء الرسائل التي يحملها لنا سعاة البريد، والمسرّات التي تختبئ تحت المظاريف، بعد أن حلّ البريد الالكتروني محلها، ومازلت أحتفظ برسائل وصلتني من أدباء كثيرين، بعضهم غادروا عالمنا، وقبل أيام، عثرت في ملفات رسائلي على رسالة وصلتني من الشاعر الراحل سليمان العيسى(1921-9 أغسطس(آب)2013) بعثها لي من صنعاء في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 م ،كما دوّن أسفل قصيدته( قطر الندى) المرفقة بالرسالة، التي أهداها إلى( صغيرتي التي لم أعرفها..قطر الندى)، و تحت القصيدة دوّن ملاحظة بخطّه الأنيق هي( إلى العزيز عبدالرزاق الربيعي ..ينشرها حيث يشاء ..مع أرق تحيتي وأشواقي ..سليمان)، وكانّه بهذه الملاحظة وقّع على بياض شيك ثمين، والعاملون في الصحافة يعرفون ماذا  تعني ملاحظة من شاعر كبير كسليمان العيسى، فيما يفرض  شعراء شباب، ما يزالون في بداية المشوار، شروطا مسبقة للنشر !!

وبعيدا عن ذلك، فهذه الملاحظة تعكس تواضعه، و ثقته العالية التي يوليها لواحد من تلامذته في مدرسة الشعر، وهذا الانطباع يخرج به كل من عرف العيسى عن قرب، ويستطيع أيّقارئ أن يستشف ذلك من رسالته التي جاءت ردا على رسالة مني أرفقتها بحوار أجريته معه خلال سنوات إقامتي بصنعاء، وقد ذكر في رسالته (المرفقة بهذه المقدمة) تفاصيل عن حالته الصحية، والعمليتين اللتين أجراهما لعينيه، وكان فرحا لنجاحهما، وبروح مرحه، يتحدّث عن ذلك بحيث صار بإمكانه أن يراني والأخوة في عُمان، وهو جالس في مكتبه، أما العكّاز (عصا الشيخوخة) كما يسميه، فله معهحكايات لطيفة، تعكس حبّه للظرافة،  ويعبّر عن سعادته بعكّاز وصل إليه من ولده(معن) الذي كان يعمل في (دبي)، في ختام رسالته يدوّن أحدث مشاريعه، واصداراته، وهذه  الأنشطة تفصح عن مواصلته الكتابة الشعرية، وانتهائه من أربع دواوين، ترجمتها زوجته د. ملك أبيض(رحمها الله) للفرنسية، ومداومته على حضور مجلس د.عبدالعزيز المقالح الأسبوعي،  وحرصه على تلك الفعاليات بحيويّة عالية،  رغم آلام الشيخوخة، ومتاعبها، بلوغه سنّ الـ 72 سنة، وفي حواشي الرسالة يستفسر عن توقف وصول صحيفة(الفينيق) له، مستشعرا توقّفها عن  الصدور، مبديا أسفه لذلك، ويحرص في حاشية من تلك الحواشي على نقل تحياته للأصدقاء في عُمان، وبالمقابل يبعث تحيات زوجته د.ملك أبيض، وتكرار ملاحظة بمنحي حريّة التصرّف بنصّ جديد كتبه، كل ذلك يؤكّد أن الشاعر الكبير سليمان العيسى كان مدرسة في الشعر والحياة، رحمه الله.

رسالة الشاعر سليمان العيسى للشاعر عبد الرزاق الربيعي

الرسالة:

العزيز عبد الرزاق

أرق التحيات والأشواق .. مددت يدي الى صندوق بريدي هذا الصباح لأجد رسالتك في انتظاري ولم أكن أعلم أن الرسالة تضمّ حواراً شائقاً منوّعاً أجراه معي عبد الرزاق منذ عدّة أعوام ، وما يزال يحمل نكهة صنعاء ، وذكرياتنا المشتركة في هذه المدينة التي كان آخر ما قلت فيها، هذان البيتان حين مررت ( بجبل النهدين ) الذي يحدّها من الجنوب قلت :

تتيه ” بنهديها ” على الأنس والجنِّ

هي الدهشة الأولى بملحمة الحسنِ

كتبتُ بحبر الشمس أغلى قصائدي

لها ، كان حبر الشمس يسرقها مني

وأذكر أن شاعرنا الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح علق على البيتين بعمود حلو في احدى الصحف التي تزدان بنتاجه المعروف، سأبلغ تحياتك إلى الأخوة جميعاً في (مقيلنا)الأسبوعي الذي ما زلنا نتابعه في بيت الدكتور عبد العزيز، جامع شمل المثقفين العرب والأجانب باستمرار.

وأذكر لك أنه ما يكاد يمر ( مقيل) إلّا ويكون لعبد الرزاق نصيب فيه ولو في حديث عابر .

أما أنا فقد أجريت هذا العام عمليتين جراحيتين لعيني اليسرى اولاً و اليمنى ثانياً ، لأن( الماء الأبيض) غطاهما أخيرا، و أجبرني على البقاء عدة أشهر غير قادر على قراءة كلمة أو كتابة بيت أما الآن فنظري والحمد لله جيد ، و بإمكاني أن أراك الآن أنت و الأخوة الأعزاء من حولك في عمان، و أنا جالس على مكتبي .أولكن ( العكاز ) أعني عصا الشيخوخة أصبحت رفيقتي، لا أستطيع الاستغناء عنها في أي مشوار طال او قصر ، وقد ارسل الي ابني الدكتور معز – حفظه الله – عصا فنية من دبي تقصر وتطول كما تشاء ، تملؤها ثقوب تذكّرني ( بشبّابتي ) التي كنت أعزف عليها (الميجانا )و (العتابا) السنين الطوال ، وربّما حوّلتها قريباً الى عصا و ( شبابة ) أستعيد بها الماضي الجميل ، القليل جداً – و انت منهم فيما اظن – يعرفون اني جيد العزف على الشبابة ( منجيرة الراعي ) كما يسميها اخواننا في لبنان ، ولا ادري ان حوارنا قد مر بهذه النقطة .

اعتقد انك وجهت الي مثل هذا السؤال وأجبتك عن شيء من التفصيل ، كانت آخر مجموعة شعرية طبعت لي هنا مجموعة خاصة جداً بعنوان ( وأكتب .. قصائد صغيرة لي ولها ) نعم ، لي ولها .. وقد قدم لها الدكتور عبد العزيز مقدمة جميلة ولا بد ان تصلك نسختك منها ذات يوم ، ولا بأس ان اذكر لك هذين البيتين بعنوان ( مخبأ ) :

إذا انفجر الكون الغبي .. ودمرت

شظاياه أعشاش الطيور على الأرض

خبأتك في بيت من الشعر حالم

وضعنا معاً في همسة منه .. في نبضِ

أما كتبي التي هي تحت الطبع الآن فهي :- قصائد مختارة ، نقلتها الى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض

_ قصائد صغيرة لي ولها، نقلتها الى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض

_ أوراق من حياتي ، نقلتها الى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض

_ اليمن في شعري، مجموعة من شعري في اليمن نقلتها الى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض

هذه المجموعات كلها ستطبع باللغتين العربية والفرنسية . آمل ان تصلكم ايضاً ذات يوم والى لقاء ايها العزيز !

سليمان العيسى

على حواشي الرسالة:

الدكتورة ملك تقرؤك السلام مع المودة

لم يخل الحوار من أخطاء مطبعية مع الأسف (بساتين العاصي) التي صارت (بساتين القاضي)

لم تصلني (الفينيق) منذ فترة طويلة، ماذا ؟ هل توقفت عن الصدور سيكون ذلك خسارة لنا جميعاً.

أرجو أن تبلغ تحياتي و أشواقي لكل إخواننا العمانيين من حولك.

أرسلت إليك نسخة من آخر قصيدة صغيرة كتبتها منذ أيام ..

ربما خطر لك أن تنشرها عندك ذات يوم.

قصيدة قطر الندى لسليمان العيسى بخط يده

الصور:

  • رسالة الشاعر سليمان العيسى
  • قصيدة (قطر الندى) بخطّه
  • العيسى مع الربيعي في شقّته في السكن الجامعيبصنعاء١٩٩٥ والدفتر الذي بين يديّ الدفتر الذي يكتب به قصائده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى