طباخ السم (3)

شرين خليل | مصر

اللوحة للفنان يوهانس فيرمير

جاء رجل يبدو عليه الطيبة والبساطة .جلس أمامي وبدأ يتكلم عن المشكلة التي يواجهها وهي مشكلة إبنته التي تمت خطبتها وفجأة تريد أن تنهي الخطبة وترفض خطيبها بشدة وبدأت تتصرف بشكل هيستيري ولديه شك في أنها مسحورة فعلي حد قوله أن لديهم جارة تكرههم بشدة ولا تتمني لهم السعادة ..بدأت أسأله عن إبنته وطبيعة العلاقة بينها وبين والدتها وهل تمت الخطبة بإرادتها، وتحدثت معه وكأني أخصائي نفسي، وبدأ يشعر في كلامي معه بالطمأنينة وطلبت منه أن يحضر إبنته لكي أتحدث معها وخرج الرجل ودخلت أمي وفي عينيها سعادة عارمة وقالت: مش قولت لك ياسعيد إنها شغلانة سهلة وإنت هاتقدر عليها . الناس خارجة فرحانة ومطمنة ياشيخ سعيد .
– بس ياأمي هانعمل أيه في مشكلة البنت دي ؟
ماتقلاقش الراجل خرج ولما يرجع لنا هانكون أخدنا وقتنا وعرفنا أصل المشكلة وأنا شغلت أبراج المراقبة .
– أبراج مراقبة !!!!
أيوا ياسعيد عندنا أبراج مراقبة في كل مكان وفي كل بلد، شبكة متصلة ببعضها ، ماتقلاقش كلها يومين بالكتير وكل المعلومات هاتكون عندنا.
وبالفعل وصلت لنا كل المعلومات وكما توقعت أن هذة الفتاة لاتريد هذة الخطبة فهي تربطها علاقة عاطفية مع زميل لها وبسبب إجبار والدتها عليها لكي توافق علي هذة الزيجة تعرضت الفتاة إلي أزمة نفسية شديدة ،جعلتها تتصرف بطريقة غير طبيعية وفي نفس الوقت خوفها من إخبار أهلها بعلاقتها مع زميلها جعل حالتها تزداد سوء . شعرت وقتها بالعجز ولكن أمي دائما لديها الحلول قالت لي بكل ثقة :
-ماتقلاقش الحل عندي.
-معقول يا أمي ؟
-طبعا ياقلب امك دي مش أول مرة تعدي علينا حالة بالشكل دا .شفنا من دا كتير ..إنت بس عشان لسه في الأول وبتفكر بقلبك شوية .
شوف يابني البنت لما تعرف إن اللي بتحبه دا مش كويس هاتفوق من اللي هي فيه..
-ببساطة كده يا أمي!!!! ..واحده بتحب واحد ليه بقي أهلها يعملوا فيها كده ..ليه ماتتجوزش اللي بتحبه وبيحبها ..

-يابني هي كده كده هاتتجوز اللي أبوها إختاره لها سواء وافقت أو رفضت..

-هو إحنا في أي زمن عشان واحده تتجوز غصب عنها وتتعب نفسيا بالشكل دا ..

-من الآخر يابني إحنا هانساعدها..

-بجد يا أمي هانساعدعا تتجوز اللي هي عاوزه …

-لاطبعا هانساعدها تنساه..

-تنساه !!!!!

-أيوا ياسعيد لأنه مش بيحبها وبيلعب بيها ،،،ولازم تفوق من اللي فيه وتعرف مصلحتها …

-وعرفتي منين يا أمي ؟؟

-كل حالة بتيحي لنا بنعرف عنها كل حاجه وماتقلاقش خلاص الرسالة وصلت والبنت عرفت إن الولد مش كويس وشافت بنفسها صور له مع واحدة صاحبتها …مش قولت لك إننا بنساعد الناس ..صدقتني بقي ..

-أيوا يا أمي بس إحنا كنا المفروض قولنا لهم من الأول الكلام دا …

-يابني مش هايصدقوا وهايروحوا لغيرنا،. وكفاية فرحة أبوها وفرحة أمها إن البنت بقت كويسه وكل دا بسبب حجاب الشيخ سعيد وشوية الحجات اللي أخدوها من العطارة …يعني البنت خفت من غير ماتيجي ..بركاتك ياشيخ سعيد …

-حجاب ؟؟ أنا ماعملتش لها حجاب …

-وهي دي حاجه تفوتني .،.كل اللي بيدخل لك وهو طالع من عندك بياخد الحجاب والورقه اللي فيها شوية الطلبات…
إنسي بقي الموضوع دا وخلينا نشوف غيره ورانا شغل كتير

وبعد يومين جاء والد البنت ليشكرني ومعه هدايا كثيرة كانت فرحته فرحة غير عادية …إنتابني شعور غريب صعب إني أوصفه مابين فرحة ودهشة وخوف وحزن ،،أحاسيس مختلطة .. هل أنا علي صواب أم خطأ؟ وأمي كيف لها أن تفهم الناس بهذه السهولة …هل مايحدث لي حقيقي أما أنا في حلم ؟؟؟ وكيف أنساق وراء ماتقوله أمي وأفعل ماتطلبه وكأني مسحور ؟ هل فعلا أمي سحرتني كما تفعل مع الآخرين ؟؟ أشعر أنني في دوامة ..
دخلت غرفة أبي لأطمئن عليه ولكنه لا ينطق ولا يتحرك ،كنت أتمني أن أتحدث معه ..كم تمنيت أن تعود بي الأيام لأجلس بجانبه وأقترب منه وأساله عن حياتنا وعن كل مايدور في رأسي ..فأنا حقا أشعر كأنني مسحور وأمشي في طريقي هذا وكأن شيئا يجذبني وأنا لا أقاوم ..

دخلت علي أمي وقالت لي :
لو نفسك أبوك يخف يبقي لازم تتجوز …

-تعجبت من كلامها !!!

-لازم نفرح أبوك ياسعيد ،،والعروسة موجودة …

-هدي مش هاتوافق عليا لو عرفت إني بشتغل دجال ..

-أنا ماقولتش هدي ..

-أومال تقصدي مين؟؟ ..

-عزة بنت خالك …

-عزة!!!!!!

-أيوا بنت حلوة ومننا وعلينا .،،وفي أخر سنة في الكلية وبتدرس علم نفس ،،انا اللي قولت لها تدخل القسم دا ..،

-أنا بحب هدي ….وهاروح لها ..

-روح لها أنا مش معترضة ،،لكن في الأخر هاترجع لعزة ..

وفي اليوم التالي :
إتصلت علي هدي وطلبت مقابلتها وبالفعل قابلتني وكان كلامها لي أصعب مما توقعت :

-أنت مصدق نفسك ياسعيد ..أنت فاكر إني هاوافق إني أعيش مع واحد نصاب ..
-أنا مش نصاب ياهدي ..أناااا…
-مش عاوزه أعرف إنت أيه ..إنت أنتهيت بالنسبة لي .،أنا كنت فاكرة إنك عندك مبدأ وصاحب مبدأ لكن فعلا كل إناء ينضح بما فيه ..
-لو سمحتي ياهدي كفاية إهانة …
-سعيد ؛ طول ما أنت في الطريق دا أنا مليش دعوة بيك .، وياريت تنساني ..زي ما أنا نسيتك ..إنت مش سعيد اللي أنا عرفته وحبيته .،سعيد اللي كان معايا في الكلية اللي حلمنا سوا وكان لنا حلم هانحققه سوا ..إنت حد تاني أنا معرفوش…وياريت ماتحاولش تكلمني تاني .سلام

رجعت لأمي وأنا حزين ،،وبالفعل صدقت أمي عندما قالت لي هاترجع في الآخر لعزة .
وبالفعل تمت الخطبة وتحديد موعد الزفاف ..
وتم الزواج ،،عزة إنسانة حنونة ومطيعة جدا جدا …وأنا مستمر في عملي وكل الأمور تسير بشكل جيد .
لكن للأسف الفرحة لم تكتمل ،مات أبي ومازال هناك شيئا غامضا أشعر به …نظراته الأخيرة تحاصرني فأنا أراه في كل مكان في يقظتي وأحلامي وأشعر بأنه كان يريد أن يخبرني بأشياء عديدة ولكنه لم يستطع …
تعددت الأقاويل حول ما أصابه يوم سقوطة مغشيا عليه والفوضي التي ملأت حجرته بأن ماحدث له كان بسبب السحر ،،،الناس حولي تردد في كل مكان بهمس ؛ السحر إنقلب علي الساحر …والعجيب في ذلك كيف عرف الناس ماحدث لأبي ومن وصف لهم كل شئ ؟
ماذا أفعل لكي أعرف الحقيقة وهل ستخبرني امي ؟؟؟ فأنا أعلم جيدا أن أمي تعرف كل الأسرار …
لابد أن أواجهها وأتحدث معها فهذا حقي ..
أمي:محتاج أعرف منك كل حاجة !! وأول حاجه أبويا مات إزاي ؟؟؟

-أمر الله يابني إنت هاتعترض …

-والأوضة بتاعته اللي كانت متكسرة كلها دا كان أيه جن ولا عفريت ..

-في أيه ياسعيد هو اللي بنعملوا في الناس هايطلع علينا ..

-عاوزه أعرف هاتجنن…

-العلم عند الله ..
-والناس عرفت منين.؟
– يمكن من عمك ولا مراته او البنت اللي بتنضف البيت وماتشغلش بالك يابني وإنسي اللي فات وتعالي عندنا شغل في ناس منتظرين من بدري ..

-بدأت الشغل ودخل لي شاب وسيم ومهندس وكان سؤاله مدهش جدا بالنسبة لي وغريب ،المفترض إنه شاب متعلم ومثقف :

-شيخ سعيد أنا بحب بنت جميلة جدا ونفسي أتجوزها ونفسي هي كمان تحبني بس الأول عاوز أعرف الأبراج بتاعتنا متوافقة مع بعض ولا لأ ،عشان أتقدم لها وأنا مطمن ،،أنا خايف ترفضني ..
كان مثل الغريق الذي يتعلق بالقشة ويريد الإجابة المريحة لقلبه ..كنت متعجبا من طريقته فكيف لشاب بهذه المواصفات أن يأتي لدجال يستشيرة في مثل هذه الأمور ..منذ بداية شغلي وأنا أري العجب ..

-أجبته بأن الابراج متوافقه ،،وأن يذهب لها وهو مطمئن ..

وخرج وهو سعيد وبالفعل خطب الفتاة الجميلة ولكن بعد يومين من الخطوبه جاء لي مرة أخري وهو حزين ويقول :

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى