لغة القرآن – العدول عن (على) إلى (في)

ماجد الدجاني | فلسطين

من ذلك قوله تعالى :﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[سبأ: 24] ، فقد ذكر مع الهدى حرف الجر (على)، فقال :﴿ لَعَلَى هُدًى﴾ ، ثم عدل عنه إلى (في) مع الضلال، فقال:﴿ أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.

ولو جرى السياق على نسق واحد ، لكان  لعلى هدى، أو على ضلال مبين). وقد وقف الزمخشري على سر هذا العدول ، فقال(1):«لأن صاحب الحق كأنه مستعلٍ على فرس جواد يركضه حيث يشاء ، والضال كأنه منغمسٌ في ظلام مرتبكٌ فيه لا يدري أين يتوجه » .

يقول ابن القيم في سياق تفسيره قوله تعالى(2) :﴿لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾:« في أداة (على) سر لطيف ؛ وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط ، على هدى، وهو حق؛ كما قال في حق المؤمنين :﴿ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾[البقرة: 5]. وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾[النمل: 79]، والله عز وجل هو الحق، وصراطه حق ، ودينه حق ، فمن استقام على صراطه ، فهو الحق والهدى؛ فكان في أداة (على) على هذا المعنى، ما ليس في أداة (إلى)، فتأمله فإنه سر بديع !».

واستطرد ابن القيم قائلاً :«فإن قلت : فما الفائدة في ذكر (على) في ذلك أيضًا، وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحق وعلى الهدى ؟ قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى، مع ثباته عليه، واستقامته إليه، فكان في الإتيان بأداة (على) ما يدل على علوه وثبوته واستقامته. وهذا بخلاف الضلال والريب؛ فإنه يؤتى فيه بأداة (في) الدالة على انغماس صاحبه وانقماعه وتدسسه فيه ؛ كقوله تعالى :﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾[التوبة: 45]، وقوله:﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾[الأنعام: 39]، وقولـه :﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾[المؤمنون: 54]، وقولـه:﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾[هود: 110].. وتأمل قوله :﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[سبأ: 24] ، فإن طريق الحق تأخذ علوًا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير ، وطريق الضلال تأخذ سفلاً هاوية بسالكها في أسفل سافلين» .

ويضاف إلى هذا دلالة السياق وما يفيده من العلو، في ﴿لَعَلَى هُدًى﴾؛ فعلوُّ المكانة والمقام يستوجب علوَّ الإرادة، ونفاذها واستعلاءها على نوازع التسفل والسقوط، بإقبالهم على الهدى بمحض اختيارهم، ويفيد انفساح الرؤية أمام أبصارهم، فيدركون ما حولهم بوضوح دون حجب أو حواجز؛ وذلك على النقيض من دلالة التسفل والظرفية في قوله :﴿أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾؛ إذ يستتبع ذلك دلالات سلب الإرادة ، وتقييد الحركة ، وانعدام وضوح الرؤية ، وفقدان حرية الفكر؛ وذلك يؤدي إلى تمزق النفس وتخبطها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى