العلاقات الدولية في عهد: السيد سعيد بن سلطان (1791-1856)

 شيخة الفجرية | كاتبة عمانية

ما ورثه السيد سعيد بن سلطان من تركةٍ تاريخية، كان لابد أن تتوَّجَ بعلاقاتٍ عالميةٍ عالية المستوى، فهو ابن بلادٍ تسيَّدت المحيط الهندي؛ بأساطيلها البحرية عبر التاريخ. وأن يبزغ نجمٌ يقود هذه الأساطيل من جديدٍ لهو حدث جلل، استدعى أن يكون القائد مُعَدًّا لها إعدادًا بارعًا للقيادةِ والحكم، وعليه فقد كان هذا المختار للقيادةِ فتىً في الثالثة عشرة، أي لم يصل الخامسة عشرة من عمره بعد، وهو السيد سعيد بن سلطان، الذي استوصت على إعداده للحكم امرأة عُمانية عالية الهمِّة والحكمة، هي عمته “الجلالية”([1])، السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد(ابنة مؤسس الدولة البوسعيدية). وقد دافعت عنه أمام بعض أهل الحل والعقد وأمام إخوتها، الذين رأوا أنفسهم أحق بالحكم وأولى من صبي صغير. ولكنها ظلّت وفية للوصية، حاكمة فعلية بالنيابة طوال فترة لا قانونية حكمه، ترد عنه الجيوش الغاشمة والطامعة من جميع الاتجاهات؛ القريبة والبعيدة. فقد وجدت فيه “شخصية قوية جذابة ولكنها أبعد ما تكون عن القسوة أو الصرامة؛ فمحياه يتسم بملامح لطيفة وبشوشة”([2])؛ كما يقول الروائي والرحالة الأسكتلندي جيمس بالي فريزر.
فشرب السيد سعيد شربة عمته في الرياسة والسياسة، إلى أن أصبح في السن القانونية للحكم؛ مؤهلًا أن يكون سلطانًا على عُمان. فكان كما قال عنه “طبيبه الخاص سنة 1809″، الرحالة الإيطالي فينسنزو موريزي: “شابا وسيما، مربوعَ القامة، بهيَّ المُحيّا، مُفعمًا بالحيوية، لطيفَ المعشر، وكان يمتلك فهما عميقا وتطلعا للمعرفة”([3])، وكانت “شخصيته جذابة، ويتميز سلوكه بالبساطة وعدم التكلف”([4]) كما يقول الرحالة البريطاني وليام هيود. فانطلق السيد سعيد بهذه الصفات لتأسيس مكانة لائقة لحكمه، إلى أن أصبح لهذا الحكم صدىً عالميًا قال عنه الشاعر الأمريكي تايلور فيتش ([5])؛ ” الذي توقف في مسقط لمدة أسبوع من 18-25 أكتوبر 1838″:
سُلطانَ مسقطَ، افخرْ، عهدُ مجدكمُ
شلالُ ضوءٍ مدى الآفاقِ ينسكبُ
خلّدتَ إسمَكَ، مجدُ الشرقِ يَعرفُه
والغَرْبُ ليس بخافٍ عنه ذا النسبُ
عبْرَ المُحيطاتِ جئنا أمةً مَخَرتْ
عبُابَ بحرِ عُمانٍ.. قلبُها يَجِبُ
يُزجي لك الشكرَ والعِرْفانَ أجمعُها
عِشْ سيدا ظافرا دانتْ لك العَرَبُ.
وكانت مسألة تقوية العلاقات العُمانية مع كبرى دول العالم، قد حملت السيد سعيد بأن يقوم بتقوية علاقاته في الداخل العُماني أولًا، يقول الرحالة الإنجليزي جيمس ويلستد، الذي جاء “إلى مسقط سنة 1835″، عن بعض ذلك قائلًا: “ما يميز حكومة هذا الأمير هو اختفاء جميع الضرائب الجائرة، وتجنب الظلم والتعسف في العقوبات، والاهتمام الزائد بكل التجار القاطنين في مسقط بغض النظر عن جنسياتهم، وبالتسامح العام تجاه جميع المعتقدات. ومن جهة أخرى، فإن نزاهته، وعدم تحيزه، ورأفته في العقاب، مع اهتمامه الدقيق بما يحقق رفاهية شعبه، قد جعلته محبوبا ومحترما عند أهل الحضر من رعيته، كما أن سخاءه وشجاعته قد عززت مكانته في نفوس البدو. وجميع هذه السجايا الحميدة قد أهلته للقب “عمر الثاني” في كل أنحاء الشرق”([6])، وهذا ما يتفق عليه مع جورج كيبل- ضابط بريطاني زار مسقط سنة 1824-، الذي قال: “أشد ما أعجبنا في الإمام دماثة خلقه وعدم تصنعه في الحديث. إن البساطة الأبوية للشخصية العربية كانت بارزة بقوة في كل شيء يتعلق بمجلسه. وفي الديوان اليومي الذي يعقده الإمام، يجلس الجميع سواسية بغض النظر عن مراتبهم. بل إن الشحاتين يحضرون هذا الديوان ويجدون أذنا مصغية من الإمام لسماع شكاواهم”([7])، فانشغل بالتحالفات والعلاقات البينية مع القبائل العمانية، التي أصبحت ساعده القوي في التوسع نحو ضم الأراضي والبلدان المحيطة بعُمان إلى عُمان، فكانت له أجزاء من فارس والهند؛ وبلدان الخليج وبلدان الشرق الإفريقي.
أثناء هذا التوسع، كانت علاقات السيد سعيد تتسع أيضًا، مع ملوك ورؤساء كلًا من: الهند، والمملكة المتحدة، والجمهورية الفرنسية، والولايات المتحدة الامريكية، وروسيا، وممالك وبلدان أخرى؛ ارتبطت بها تجاريًا وسياسيًا. كانت هذه العلاقات تأتي بطرق مختلفة، فأحيانًا تكون من خلال الزيارات، كما هو الحال في إرسال أول سفير عربي -أحمد الكعبي- إلى أمريكا على متن السفينة سلطانة، أو عن طريق المصاهرة، كما هو الحال في اختيار السلطانة فاطمة جومبيه حاكمة جزيرة موهيلي القُمُرية للسيد سعيد زوجًا لها، مع وجود منافسة فرنسية قوية آنئذ؛ لنيل مصاهرة السلطانة فاطمة! بالإضافة إلى علاقات الجوار مع ملوك الهند والسند بسبب النشاط الاقتصادي الكبير للموانئ على الضفاف المتجاورة؛ والتي عززت التجارة بينهم والعالم عبر السنين. وكان من أهم النتائج بأن نقلت بعض المقولات الغربية شيئًا من ملامح هذه العلاقات، فأخذت الكتابات الغربية تكيل للسيد سعيد كل إعجاب، فهو كما يقول فرانسيس إركسين لوش- أحدُ ضباط البحرية البريطانية -: “حُلو الملامح، بَهيُّ الطلعة، وسيمٌ، أسودُ اللحيةِ والشارب، معقوفُ الأنف. يبلغ طولُ قامته حوالي خمسة أقدام وعشر بوصات، وتمتاز بالحُسْنِ والتناسق. يتميز عن أقرانه من حُكّام العرب والفرس بحُسْن المَعْشَر ودَمَاثة الخُلق”([8]). وكتب ضابط بريطاني آخر هو “جورج سادلير” في يومياته بعد مقابلته للسيد سعيد؛ الذي وصفه “بالود والتواضع، وهو يظهر دوما في أحسن طبع وأطيب مزاج، وقليلا ما تظهر عليه ملامح الغضب”([9]). كذلك دوَّن الدبلوماسيين الأمريكان عن شخصية السيد سعيد، خلال زياراتهم لعُمان، ضمن بعثات دبلوماسية، من أجل التفاوض لعقد “اتفاقيات تجارية وتفاهمية”، ومنهم “رجل الأعمال والدبلوماسي” الأمريكي إدموند روبرتس، الذي زار عُمان سنة 1833، والذي قال عن الانفتاح التجاري الذي وجده: “إن السلطان معروف بحبه الشديد للعدالة، والتصرف الإنساني، وهو محبوب كثيرا من رعيته. وينظر إلى التجارة نظرة عادلة متحررة؛ فهو لا يكتفي بإزالة العقبات عن طريق تقدمها فحسب، وإنما يشجع الأجانب ورعاياه أيضا على ممارستها”([10]).
وهناك تدوينات كثيرة في هذا الجانب ترجمها الدكتور هلال الحجري عن الكُتَّاب والشعراء والدبلوماسيين والباحثين الغربيين، ولكننا سنجد ما يمكن أن يكون معينًا آخر، عن سيرة وعلاقات السيد السلطان سعيد بن سلطان، من خلال الجلسة الثقافية الافتراضية، التي أقامها النادي الثقافي، والتي أدارها أ. نصر البوسعيدي، وكانت بعنوان: العلاقات الدولية في عهد: السيد سعيد بن سلطان (1791-1856)، قدَّم فيها الأستاذ الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة السلطان قابوس، وبدأ بالمقدمة الآتية: “إن تاريخ عمان شائك، وذلك لكثرة ممن كتب فيه، من العمانيين أو غيرهم، خصوصاً من تناول حكم البوسعيد، لأن منهم المؤيد لهم، ومنهم المعارض ومنهم بين الطرفين، راضيا بواقعه. والتاريخ لا يكتب إلا عن دراية، ودريته الوثيقة والمصادر فهي ذاكرة الأمة”. ثم تعرَّض لأهمية الورقة التي ألقاها قائلًا: “إن هذه الورقة لها أهمية من حيث الفترة الزمنية التي حكم خلالها السيد سعيد بن سلطان (1804م – 1856م) لكون حكم السيد دام 52 سنة، والأطماع القوى المحلية والإقليمية في شبه الجزيرة العربية، وتكاتف الاستعمار الأوروبي على البلاد الإسلامية والمحيط الهندي وغيره”.
وتوزعت محاور المحاضرة كالآتي: المقدمة: تكوين ونشأة السيد سعيد وحكمه.
أولاً: تكوينه ونشأته وحكمه، ثانياً: الصراع على السلطة، ثالثاً: علاقة السيد سعيد بالقوي الوطنية: المحور الأول: علاقة السيد سعيد بالقوي الإقليمية، وكان المحور الثاني عن علاقة السيد سعيد بالقوى الخارجية، وهي المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية، والجمهورية الفرنسية، والولايات المتحدة الامريكية، والإمبراطورية الروسية”.
كل ذلك يصب في خانة مؤداها أن: شخصية السيد سعيد شخصية بارزة، وذات ثقل تاريخي عميق، يمكن أن ينتج عنه أعمال درامية كبيرة، شرط أن يتم الوقوف أمام تمويلها ودعمها بحزمٍ وقوة بأس من أجل إيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة في عالمنا العربي؛ عبر التخطيط والتنفيذ الفني والإبداعي السليم.

([1]) هكذا كان يُطلق عليها في البحرين، حيث كانت هي الحاكمة الفعلية لعُمان والبلدان التي تتبع حكمها آنئذ.

([2]).Fraser, James Baillie, Narrative of a Journey into Khorasan in the Years 1821 and 1822 Including Some Account of the Countries to the North East of Persia (London: Longman, 1825), p. 20..؛ تر: د.هلال الحجري.

([3]). Maurizi, Vincenzo, History of Seyd Said Sultan of Muscat, 2nd ed. (Cambridge: Oleander Press, 1984), p.18؛ تر: د.هلال الحجري.

([4]).Heude, William, A Voyage up the Persian Gulf and a Journey Overland from India to England in 1817 (London: Strahan and Spottiswoode, 1819) , p. 26. ؛ تر: د.هلال الحجري.

([5]).Taylor, Fitch Waterman A Voyage Round the World in the United States Frigate Columbia, I (New York: D. Appleton, 1842). p. 171. تر: د.هلال الحجري.

([6]).Wellsted, James Raymond, Travels in Arabia, 2 vols (Austria: Graz, 1978), I, pp. 7-8.
؛ تر: د.هلال الحجري.

([7]).Keppel, George Thomas, Personal Narrative of a Journey From India to England, 2 vols (London: Henry Colburn, 1827), I, p. 15.؛ تر: د.هلال الحجري.

([8]).Belgrave, Charles, The Pirate Coast (Beirut: Librarie Du Liban, 1972), pp. 64-65.؛ تر: د.هلال الحجري.

([9]).Sadlier, Gorge Foster, Diary of a Journey Across Arabia (Bombay: Education Society, 1866), P. 16..؛ تر: د.هلال الحجري.

([10]).Ibid., p. 361؛ تر: د.هلال الحجري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى