مقهى العشّاق

هند خضر | سوريا


السّماء تطبق فكّيها على الشّمس، تبتلع حمرة الشّفق، تعلن انسحاب يوم من خارطة الأيّام ، كان مشهد الغروب يطفو على سطح الأحلام يحيل الذّاكرة إلى قطع متناثرة فتبدو عصيّة على التّحقّق بل مستحيلة ..
في ركن بعيد عن زحمة المدائن، مكتظّ بالفراغ، هادئ حدّ الصّخب ، كان يوجد مقهى ليلكيّ الّلون ،على كلّ طاولة وضِع كأس ماء فيه بنفسجة حالمة تُعتبر رمزاً لكلّ عاشقَين،
وصل ماجد إلى المقهى في تمام السّاعة السّادسة حسب الموعد الّذي اتّفق عليه مع سهى وذلك لتحديد يوم للخطبة ،جلس على كرسيّ ،أخرج من معطفه عود الثّقاب وأشعل سيجارة ريثما تصل سهى ومن خلف الزّجاج يترقّب خطواتها بشغف لطالما أحبّها جدّاً وحان الوقت لتتويج هذا الحبّ بالارتباط …
نظر إلى ساعة يده وحدّث نفسه :يا إلهي ..نصف ساعة مضت ولم تصل سهى تُرى ماذا حصل؟
ما إن رفع نظره حتّى وجدها قادمة نحوه ولكن بخطوات ثقيلة بطيئة وحائرة ..
سهى: مرحباً يا ماجد أعتذر عن التّأخير …
ماجد: أهلاً يا سهى لا يهمّ مادمتِ بخير
جلست أمامه بتكويناتها النّادرة وتفاصيلها المجنونة وأناقتها المعهودة وعطرها الأخّاذ فهو بمثابة أوكسجين لرئتاه العاشقتين …
أحضر النّادل القهوة،أرادت أن تتناول فنجانها ولكن تلك الرّعشة الّتي بدت على أصابعها أفسدت كلّ شيء،سادت لحظة من الصّمت أثارت الدّهشة والعديد من التّساؤلات في رأسه عندما لمح الارتباك في ملامحها ولكنّه سرعان ما كسر حاجز الصّمت ..
ماجد : ما بكِ فاتنتي؟
هل ماتت لهفتك المجنونة ليوم انتظرناه بفارغ الصّبر كي أتوّجكِ فيه أميرةً على عرش قلبي؟
لف المكان الصمت سالت لؤلؤة من عينيها حرقت وجنتيها، غصّت حائرة بين الصّمت والكلام
سهى:أنت تعلم بأنّني لم أعرف معنى الحبّ إلْا عندما عرفتك وكنت على يقين بأنّ المسافات ستتواضع ونكلّل حبّنا ونعيش تحت سقف واحد ولكن النّصيب هو لعبة يلعبها القدر فيحطّم أمانينا ويقلب أحلامنا إلى واقع لا يُطاق،لقد تقدّم لخطبتي ابن عمّي،أعطاه والدي الموافقة وأرغمني على هذا الأمر تحت ذريعة الأعراف والتّقاليد من دون أن يأبه لمشاعري ،لست أدري ماذا أفعل وكيف سأكمل مشواري في درب الحياة تائهةً بين قلبي الْذي أرادك وأنا بكامل قواي العقليّة وبين عقلي الّذي سيفقد صوابه ما إن تغرّب عن قلبك ..
لم يستطع ماجد البوح ولا بكلمة ،إنّها لعنة الزّواج التّقليدي لقد حلّت عليه وأضرمت النّيران في أحشائه على الرّغم من برودة أنامله،في روحه كتلة لهب وعلى راحتيه قطعة ثلج ..
لم يعد البخار يتصاعد من قهوتهما ،ذبل زهر البنفسج وذبلت معه الأحلام في نفس الّلحظة الّتي لم تعد فيها خيوط الشّمس تنبعث من زوايا أفئدتهما …
لقد تبدّدت أمانيهما كقصاصات ورق عبثت بها يد الرّيح فبعثرتها في كلّ مكان ……

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى