تاريخ دايت

د. خضر محجز |فلسطين

تاريخنا عظيم ومقدس، وليس فيه من الهزائم والخيانات والطغيان شيء. والهزيمة الوحيدة التي كتبها لنا التاريخ هي هزيمة أحد، ولولا أنها في القرآن لحذفناها. بل قد حذفناها بالفعل حين فسرها لنا مفسرون حزبيون بأنها نصر، فصارت معصية رسول الله واجبة، إذ عصى الصحابة أمر الرسول فانتصروا.

فهل سمعتم بسخافة أشد من هذه؟

وتسألونني لِمَ لَمْ نتعلم من تجاربنا؟

فَمِمَّ نتعلم؟ وكيف نستلهم العبرة من تاريخ لا خسائر فيه؟

إن الأمم تستلهم العبر من خسائرها، فتستذكر أين أخفقت، ولم أخفقت، وماذا كان سيحدث لو أنها لم تفعل كذا، مما تسبب بالتراجع.

فمتى رأيتم العرب يفعلون ذلك؟

متى علم العرب أن “التاريخ هو فعل الناس في الدنيا بشروط الدنيا” ليتعلموا من تجارب السابقين، وقد صار التاريخ عندهم مجرد مستودع أمثلة يغترفون منه ما يناسب خزيهم؟

فإن انقلبوا على أنفسهم، وانقسموا وقتل بعضهم بعضاً، استشهدوا بالتاريخ فقالوا: قد تقاتل الصحابة رضي الله عنهم.

والمسكوت عنه في هذا الاحتجاج أن المتقاتلين نالوا الأجر على القتل. مما يعني بالضرورة أن حربنا الأهلية وأطماع أحزابنا مأجورة عند الله في وعي الجنود الحمقى.

أن تكتب الجانب الطاهر فقط من شخصية من تترجم له، يعني أن تحول البشر إلى ملائكة. فلا يستفيد الناس من تجارب الناس، لأن الملائكة لا تصلح للاقتداء بها في فعل الدنيا.

فبهذا لا يعود فرق بين التاريخ والدين. وهذا واحد من أهم الأسباب التي حولت المتدينين الجدد إلى عبادة التاريخ واعتبار نصوصه مقدسة، الأمر الذي أَمَدّ أعداء الإسلام بمادة سخرية تساوي بين أفعال أبي بكر ومعاوية وصلاح الدين وعبد الحميد وطومان باي وقنصوه الغوري والحجاج وجمال باشا السفاح، وكتاب الطبري وصحيح البخاري ومذكرات حسن البنا، والاستشهاد بكل نص من هؤلاء كما يتم الاستشهاد بآية القرآن.

لقد زوّد هؤلاء المتدينون الجدد ـ وأغلبهم خريجو جامعات تعلمهم الاستخذاء بدأب شديد ـ أعداءَ الإسلام ومُرتَدّيهِ الجُدُدَ، بمادةٍ ثريّةٍ تساعدهم على السخرية من دين الله: فحيثما كانت آية القرآن وفعل معاوية متساويين في قوة الدلالة، خسر الإسلام خسراناً مبيناً، فيما واصل خريجو جامعات الاستخذاء الهتاف بأن “دين الله محفوظ”.

وعلى سبيل المثال أذكّركم بأن التاريخ سمى عبد الرحمن بن معاوية “صقر قريش”، ولقبه بالداخل. ونحن إلى اليوم نقرأ كيف وحّدَ الأندلس بعد أن انتزعها من العباسيين بالقتل الذريع. فكيف نرى ما فعل الداخل: أقتل هو أم إقامة دولة؟

وقل مثل ذلك في خصومه من دولة العباسيين.

أما في العصر الحديث فتدوين سفر التاريخ مستحيل. وللاعتبار أقول بأن أحدهم طلب مني أن أزوده بما أعلم عن فلان من شخصيات حزبه. فدار بيننا الحوار الآتي:

ــ هل ستكتب ما له وما عليه؟

ــ لا طبعاً، فالرجل في ذمة الله. ويُقال لنا دوما وبحق: “اذكروا محاسن موتاكم”.

ــ فهل هذا ينطبق على موتى المسلمين جميعاً؟

ــ نعم.

ــ يبدو أنك تريد كتابة تاريخ إسلامي.

ــ نعم.

ــ فمن تراه كتب كما تريد؟

ــ القدامى.

ــ العرب أم الغربيون.

ــ الغربيون لا يحترمون العظماء.

ــ إذن فهل رأيت الفرنسيين يحولون الملك الشمس لويس 14 إلى شيطان؟

ــ بالعكس، لقد قدسوه.

ــ فهل سكتوا عن عيوبه؟

ــ نعم

ــ فكيف عرفنا عيوبه؟

ــ من أعدائه.

ــ فهل تريد أن يعلم أبناؤنا عيوبنا من أعدائنا؟

ــ قد حذروني منك، ولكني أحسنت بك الظن، فتبين لي الآن أنهم صدقوا.

فصار أستاذاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى