حكايا من القرايا ” المباطحة “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

  المباطحة من الألعاب الشعبية الفلسطينية، مارسها الفلسطيني في أماكنه كافة، فهي تمارس بشكل تنافسي بين اثنين، في الشارع، وفي البيدر، وفي الأراضي الزراعية، وحتى في البيوت، رياضة جسدية وعقلية، وفيها متعة لممارسها وللمتفرج على رياضتها… المباطحة تكون بتعالق اثنين يستخدمان أيديهما وأرجلهما لكي يسقط أحدهما منافسه على الأرض، يحدث هذا دون ضرب بالأيدي أو الأرجل، وإنما بتوظيف أعضاء الجسد كي يؤثر أحدهما على الآخر ويقع على الأرض، كأن يعرقل أحدهما الآخر، أو يلوي إحدى يديه، أو يميل عليه ميلة ثقيلة… وقد قيل في المثل على لسان المباطح الخاسر ” لاحني ولحته، ومن كثر عزمي جيت تحته ” وقد يعلل خسارته ” والله لولا أنه عرقل رجلي لبطحته “، ويصفق المشاهدون عادةً للبطل الرابح، البطّيح المنتصر المسعد… ونحن صغار، كان الآباء والأجداد يتسلون بمشاهدة مباطحاتنا الثنائية، فكانوا يشبكوننا مع بعضنا بعضاً، ونتعارك وهات عاد ” اللي شبكنا يخلصنا “… وكان لكل منطقة مباطح كبير، فاز على مجاييله في المنطقة، ونال اللقب… في منطقتنا كان ” عزارة ” هو الأول، واسمه قطع شأواً في المسافات والمناطق البعيدة… وكان عزارة راعياً لعجّال البلدة، يحمل كل صباح زوّادته، وشبّابته، ويقود أبقاره إلى مناطق بعيدة… يرعّيها، ويغني لزريف الطول، و (لأبو الزلف)، حتى إذا أعصرت، وأذّن لصلاة العصر، بدأت رحلة الإياب له ولعجاله… ذات ضحى، والشمس قدر أربعة مناسيس ارتفاعاً… وقد حلب عزارة قدر كاسيْن من الحليب، خلطهما بنقاط من لبن عجر التين مع السكر… كي يصنع جبنة حلوة بشكل سريع… وإذ بفارس على ظهر فرس، أسرجها وزيّنها، ووضع على ظهرها سجادة صغيرة كي تبدو هيبته… سلّم على عزارة، دعاه عزاره لاستراحة، فسأل الفارس عزارة: قالوا لي في واحد في المنطقة اسمه عزارة… وهو بطّيح المنطقة، بتعرفه؟ أجاب عزارة وقد اندهش، أه بعرفه… قال الفارس: وأنا جاي من قرية الدهمة أباطحه وأغلبه… ارتبك عزارة قليلاً، وضيّف الرجل كأساً من الجبنة المحلّاة، وصار يقيس فيه طولاً وعرضاً، دون أن يكشف عن هويته… ثم قال للفارس: عزارة شكله مثل شكلي، يعني طولي، وعرضي… شو رايك تباطحني، إذا بطحتني فإنك بلا شك قادر على عزارة، تواصل رحلتك وستبطحه، وإلا بتروّح من هون بستيرة، لا من شاف ولا من دري، ومثل ما قالوا ” غلب بستيرة ولا غلب بفضيحة ” قبل الرجل العرض، ولِمَ لا يقبل وهو يحقق هدفه… وتعارك الرجلان وحدهما في الخلاء… مدّ الفارس يده مصافحاً، وكانت حيلة لليّ يد عزارة، حيلة لم تنطلِ على عزارة… صاح عزارة، وأسند رجله تحت ساق الفارس… وهاجمت يداه رقبته، حاول الفارس حلّ نفسه، لكن عزارة فاجأه بالضربة القاضية وأسقطه أرضاً… وصار يصيح، كأنه ينادي على الناس، والفارس تحته، ويحمل عزارة ( تشدرة ) من التراب يضرب بها وجه الفارس وهو يقول: أنا عزارة يا لعين الوالدين… أنا عزارة… يا حريق الحرسي… والله إن عمري شفتك بالمنطقة … والله… ويتهدد المنتصر عزارة فارس العنقا… فما كان من الفارس إلا الانسحاب بستيرة… وانسحب من المنافسة مثل ناعمة الذيل… وعلا نجم عزارة أكثر وأكثر… وذاع صيته في الآفاق، وأصبح مثلاً يقولون ” شو هو كاين مثل عزارة “…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى