حرمة الأموات من كرامة الأحياء

جميل السلحوت | القدس

جميل السلحوت
جميل السلحوت عضو الهيئة الاستشارية / فلسطين

قامت جرّافات بلدية الاحتلال وتحت حراسة شرطيّة مشدّدة صباح هذا اليوم الاثنين 14-12-2020 بهدم سور مقبرة اليوسفيّة قرب باب الأسباط من الجهة الشّمالية، حيث ضريح والمقبرة الجماعيّة لشهداء الجيش العربيّ الأردنيّ في حرب حزيران 1967، وبهذه المناسبة المؤلمة أعيد نشر مقالة لي نشرت في  شهر آب-اغسطس- 2008.

قامت جهات اسرائيلية يوم الثلاثاء 15 آب -اغسطس 2008 بطمّ الجزء الجنوبي من مقبرة باب الرحمة المحاذي لرواق المسجد الأقصى وسور القدس التاريخي من الجهة الشرقية ، تمهيدا لتحضير المقبرة الاسلامية الشهيرة، والتي تحتوي على رفات عدد من صحابة رسول الله صلوات الله عليه وعليهم وسلامه ، اضافة الى قبور آلاف الفلسطينيين المقدسيين ، وكانت الجهات الرسمية الاسرائيلية قد جرفت مقبرة – مأمن الله – ماميللا- في القدس الغربية ، وهي تحتوي أيضاً على رفات عدد من الصحابة رضوان الله عليهم ، الذين شاركوا في الفتح الاسلامي للقدس ، وتم استعمال المقبرة لبناء فندق سياحي ، وموقف سيارات ، وشوارع ، وبيت الصحافة الاسرائيلي – بيت أجرون –، اضافة الى حديقة عامة يرتادها الشاذون جنسيا والمومسات. وتجريف المقابر الاسلامية من قبل السلطات الاسرائيلية لم يقتصر على مقابر القدس فقط ، وان كانت عملية دثر وطمّ مقبرة باب الرحمة هي العملية الأولى التي تجري في مقابر عربية اسلامية في الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 ، فقد سبق ذلك تجريف مئات المقابر الاسلامية في مئات القرى والمدن الفلسطينية العربية التي تم تدميرها داخل دولة اسرائيل، اضافة الى تدمير مئات المساجد، وانتهاك حرمات وقدسية ما تبقى منها من خلال استعمالها كحظائر للأبقار والخيول .. وغيرها من الأمور التي تغضب وجه الله. .

ومما يدل أن تدمير مقابر المسلمين سياسة رسمية اسرائيلية هو قيام الشرطة الاسرائيلية باحتجاز المقدسيين الفلسطينيين الذين تجمعوا عند الجزء المعتدى عليه من مقبرة باب الرحمة، في محاولة منهم لحماية قبور آبائهم وأجدادهم وأحبتهم ، والتحقيق مع بعضهم ، في نفس الوقت الذي وفرت فيه الحماية للمعتدين على حرمة المقبرة .

وفي نفس الوقت الذي يتم فيه الاعتداء على مقابر المسلمين، فإن صيانة المقبرة اليهودية على السفوح الغربية الجنوبية لجبل الزيتون والحفاظ عليها وتزيينها ، وزرع الورود فيها واضاءتها بطريقة ساحرة لم تتوقف يوماً منذ احتلال اسرائيل للقدس الشرقية في حرب حزيران 1967 . وهذا يدلل من جديد أن اسرائيل التي تعامل الفلسطينيين، ومن ضمنهم مواطنوها معاملة تمييزية عنصرية ، تسحب هذه السياسة التمييزية على أموات العرب والمسلمين ، لتؤكد من جديد أن من لا يحترم كرامة وحرمة الأحياء لا يحترم حرمة وكرامة الأموات أيضا. مع أن للمقابر وللأموات حرمات عند جميع الديانات ، وعند جميع الشعوب ، وما كانت اسرائيل لتقدم على هكذا أعمال تمسّ بالمشاعر الدينية والانسانية ليس للفلسطينيين والعرب والمسلمين فحسب ، بل لجميع البشر ، لولا التخاذل العربي والاسلامي الرسمي ، ولولا سياسة الكيل بمكيالين من قبل الدول الاستعمارية الداعمة لاسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية .

ويلاحظ أن الاعتداء على حرمة وقدسية مقبرة الرحمة ، تزامن مع هدم بيوت في العيسوية وبيت حنينا وهما قريتان من قرى القدس ، اضافة الى مئات أوامر هدم البيوت في القدس الشرقية ، كما تزامن مع قرار المحكمة العليا الاسرائيلية باخلاء أسرة فلسطينية من بيتها في الشيخ جراح في القدس الشريف .

وتتواصل هذه الأعمال في ظل مواصلة البناء الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية ضمن سياسة تهويد المدينة المقدسة ، وغيرها من مناطق الضفة الغربية التي لم تتوقف يوماً واحداً ، في محاولة من الاسرائيليين لفرض حقائق ووقائع على الأرض، تمنع الوصول الى أي اتفاق سلام دائم وعادل تحترمه وتحافظ عليه الأجيال القادمة . كما تجعل امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة اسرائيل ضرباً من ضروب الخيال

وبما أن القدس الشرقية ببلدتها القديمة الواقعة داخل أسوارها التاريخية تشكل جوهرة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، ولا يمكن تصور قيام دولة فلسطينية بدونها ، فإن السياسة الاسرائيلية المعلنة، والتي يجري تطبيقها عملياً على أرض الواقع ، تقوم على أساس طمس ومحو والغاء الوجود العربي الفلسطيني في المدينة ، وذلك من خلال سياسة التطهير العرقي الذي يجري بصمت في القدس ومن خلال منع البناء العربي الفلسطيني في المدينة ، ومن خلال التضييق الهائل على المقدسيين الفلسطينيين، ومن خلال الانفلات الاستيطاني السرطاني في المدينة أيضاً .

واذا كانت قيادة اسرائيل وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها قد صرحت مرات عديدة بأنها تسعى الى اتفاقات سلام مع السلطة الفلسطيني، للوصول الى حلول دائمة تتمخض عن اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ، تنفيذاً لما يسمى بمابدرة الرئيس بوش الصغير ، فإن كل الحقائق على الأرض تشير الى أن هذه التصريحات لا تأتي الا من باب العلاقات العامة في الدبلوماسية ،تخطياً للاصطدام مع سياسات بعض الدول العقلانية التي تتمنى الوصول الى حلّ للصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام ، وللقضية الفلسطينية بشكل خاص ، لما يمثله استمرار هذا الصراع من تأثيرات سلبية على السلم العالمي ، ويبدو أن فنّ ادارة الصراع والذي يجيده الاسرائيليون بشكل فائق، يأتي تنفيذاً لما قاله اسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل الأسبق بغير لباقة وغي لياقة أثناء مؤتمر مدريد عام 1991 ان اسرائيل ستفاوض العرب عشرات السنين دون أن تعطيهم شيئاً ، فما يجري على الأرض من استيطان ومن بناء جدران التوسع الاحتلالي التي تخنق التجمعات السكنية الفلسطينية في ” كانتونات ” محاصرة ومتباعدة ومعزولة عن بعضها البعض ، ومعزولة عن أراضيها الزراعية أيضاً لتبقى نهباً للاستيطان، يثبت أن أكثر ما يمكن أن تعطيه اسرائيل للمفاوض الفلسطيني هو ادارة مدنية على السكان، وليس على الأرض ، مع عمل كل الامكانيات والضغوطات المعروفة وغير المعروفة لاجبار أكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين لترك أراضيهم والرحيل عنها لاغلاق سُبل الحياة أمامهم ، وهذا تنفيذاً لما قاله المنظر الصهيوني واستاذ وملهم قادة التطرف في اسرائيل جابوتنسكي : ” بأنه لا يضير بعض الديمقراطيات وجود أقليات قومية فيها ” .

وهنا يأتي التساؤل الكبير وهو: على ماذا يتفاوض المفاوضون الفلسطينيون ؟؟ وماذا حققوا خلال خمسة عشر عاماً منذ قيام السلطة وحتى الآن ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى