حسين القنبر.. طاقة خلاقة في محراب التراث الشعبي وعقلية منفتحة على روح العصر

محمد زحايكة | فلسطين

في بداية الثمانينات من القرن العشرين المنتهي التحق الصاحب – رضي الله عنه – بجامعة بيرزيت.. وهناك وقع بين يديه الكتاب السنوي للجامعة للعام 1980 على ما يتذكر الصاحب اللاهب.. والمفاجأة أن صورة الغلاف الأخير لهذا الكتاب الجامعي الرصين كانت عبارة عن  صورة لفرقة جبل المكبر  للدبكة الشعبية الفلسطينية أو السامر الساحوري بقيادة العريف حسين القنبر أبو محمد والتي حققت المركز الأول على مستوى الوطن.

وهنا تبدى للصاحب أن الرقص الشعبي أو الدبكة الشعبية التي كان يخوض غمارها هذا  الموهوب أو  الفنان الشعبي بنمطيه الريفي والبدوي ليست مجرد نطنطات فارغة  في الأعراس والأفراح والليالي الملاح وإنما  فن راقٍ وأصيل يشكل جزءًا مهما من هوية وتراث شعب يكافح من أجل الحرية والاستقلال وأخذ مكانه تحت الشمس ..

ومن تلك اللحظة، أدرك الصاحب أهمية إحياء التراث الشعبي الذي يشكل كذلك وجدان الشعوب ويمنحها  طاقة رهيبة على الصمود وإثبات الوجود وإفشال محاولات تركيعها وتذويب كيانها وهويتها وإحلال ثقافات هجينة وغريبة على موروثها الحضاري العريق..

والحقيقة أن الصاحب انبهر ليس فقط في هذا الجانب من شخصية الرفيق أبو محمد  الذي انحاز  بوعي وثبات للكادحين والطبقة العاملة رغم كونه مقاول بناء مقتدر في تلك الحقبة الزمنية حيث آثر التماهي مع حركة جماهيرية وحزبية وسياسية كان في طليعتها آنذاك الحزب الشيوعي الفلسطيني السباق إلى العمل الجماهيري والنقابي والمؤسساتي.

صحيح أن حسين القنبر هذا الرجل الصلب وقوي البنية كان يبدو عليه أنه يعمل في الظل أو أنه من الأنصار ولم يتسلم أو يتقلد  مناصب حزبية رئيسية على ما يظهر  إلا أنه لم يكن يتردد أو يتغيب عن القيام بما يدعم التوجهات التقدمية في صفوف الحركة الوطنية ضمن إمكانياته المتوفرة ويسارع إلى إثبات وجوده في المنعطفات المهمة في مسيرة الكفاح الجماهيري والنقابي.

ومن خلال الاحتكاك بشخصية أبو محمد  نكتشف، طيبة ونقاء، سريرة وروح مرحة وهمة عالية وجهود معطاءة وقدرة على المسامحة واختصار الشر ليس عن ضعف وإنما عن  ثقة بالنفس وعن قوة تنزع إلى الخير والتسامح ومساعدة الآخرين والابتعاد عن المهاترات والدجل وتمسيح الجوخ والتسحيج كما نشاهد البعض من شلل وأصحاب أوصاف، قادة بحجم وطن؟ رغم أن الوطن ما زال مستباحا تحت سنابك خيل المحتلين والشعب في ضنك وقهر بسبب سياسات  القمع  والتطهير الصهيوني التي فشلت هذه القيادات بحجم وطن على الأقل في ردع العدو  من التمادي في انتهاك مقدرات ومقدسات شعبنا إلى يوم الدين.

وعدا عن مشاركات حسين القنبر في كافة الأعراس والأفراح كما نشاهده على سبيل المثال  في السامر التراثي في عرس الصاحب اللاهب قبل 30 عاما، فإنه كان لا  يتوانى عن التفاعل مع “وجيب” ونبض  الحركة النقابية وخاصة نقابات القدس وكذلك الإسهام في إصلاح ذات البين في حال حدوث خصومات أو مشاجرات، فيجتهد لوضع حد لهذه المشاكل ويعمل على إطفاء الحرائق ما وسعه الجهد والوقت وبصورة هادئة ومخفية  في أغلب الاحيان. وما زال أبو محمد غير يائس من إمكانية وصول الدعم من لدن الصاحب في موعده المقدس المصادف 30 شباط.

حسين القنبر أبو محمد .. نوعية “صموتة ”  من الرجال، لا تجيد الادعاء أو الفذلكة وإنما تمارس قناعاتها بهدوء واتزان، وتحفظ الود وتعشق الوفاء والإخلاص لماضيها بكل ما فيه من مد وجزر وصعود وهبوط ولا تتنكر له وتنقلب عليه من النقيض إلى النقيض كما يفعل بعض الموتورين وأشباه الرجال.

تحياتنا وأمنياتنا  له بكل خير وسلام، نطيرها لهذا الإنسان النبيل الذي عايش الحركة الكفاحية منذ عقود دون تخرصات أو تشنجات وجعجعات فاضية وبقي على الجبل يتطلع بصبر إلى بحر يافا وحيفا وبعيون ثاقبة أشبه بعيون زرقاء اليمامة، فلا بد أن ترسو على شواطئهما ذات يوم مراكب العائدين إلى وطن الآباء والأجداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى