رسالة إلى ……

ياسمين كنعان | فلسطين

اليوم أخرج من صمتي ، أُغادر قشرتي ، أتعرى من خوفي ، أكسر القيد عن قلمي ، أفتح كل الدفاتر القديمة ، أبحث في جيوب الماضي ، أكتب ما قد لا يرضيك أبداً ..

لماذا الآن ؟! لأني تعبت من ذل سنوات طويلة ، من خنوعي وضعفي . المرأة الخرساء نبت لها برعم لسان جديد ، المرأة المنتفضة من الرعب استعادت اتزانها ، تقف أمام أعاصيرك وعواصفك غير آبهة بكفك الخشنة أو نظراتك المتقدة ، أو سطوة غضبك ، المرأة المرتجفة من القسوة نبتت لها مخالب وأسنان ، صار باستطاعتها أن تخدش جدران الصمت وتمزق غلالة الظلم لتظهر للعالم أجمع وجه الحقيقة ، المرأة المنكسرة لملمت شتات ذاتها ، استحضرت قواها من ضعفها ، وقفت أمامك للمرة الأول ، نطقت للمرة الأولى ، ابتكرت لغة على مقاس حزنها وكتبت ، ثارت في وجه مجتمع الذل والسكين والذكورة المكذوبة ، المرأة المجنونة تعقلّت أخيراً . قررت أن تنزع القناع عن حقيقة متوارية خلف رجولة مفتعلة …يا للسخف! مجتمع بأكمله يكذب كذباته الصغرى والكبرى ويصدّقها .

سأكتب عن أخ لي ولدته أمي ، أخي الذي رماني في الجُب وتباكى عليّ ! سأكتب عن صديق الطفولة الذي ترك صفعة على وجه طفولتي الساذجة ، عن حبيب منحته الحياة فأهداني الموت  ، عن زوج أدخلته حلمي ليصير أكبر كوابيسي على الإطلاق ، عن أبي الذي وضع السكين على رقبتي ومضى إلى أبدية التراب بأكف ملطخة بدمي ، عن ولدي الذي علّق لي مشنقتي بدون ذنب ..

سأكتب عنك أيضاً ولا أدري إن كنت تقرأ أو لا تقرأ ، عن شهادتك التي تتباهى بها ولا تكف عن استعراضها على حيطان غرورك وأنت أُميّ لا تفقه لغة الصمت حين يصير بلاغة ! سأكتب عن وهمك الذي تدّوّخ به قلوب الساذجات ، عن قلمك الذي لا يعرف سوى لغات الوهم ..!

أعرف أن الدهشة التي ترتسم على محياك الآن تبحث عن تفسير  لهذيان امرأة ظننتها للحظة بلا لسان ؟! هل هذا ما تظنه حقاً ؟!  هنيئاً لك على غبائك …كل ما في الأمر أني تعبت من السكوت على جرائمك المتعددة ، ألم ترتكب بحق قلبي أفظع المجازر ؟!

ألم تكن كلها باسم الحب؟! باسم الحب كنت أخي المتسلط الذي يدير حياة قاصرة عن التفكير بلا عقل أو دين ! باسم الحب كنت ضلعك الأعوج الذي لا يقومه الاّ القسوة ! باسم الحب صادرت حقي في الحياة والحب ! باسم الحب واريت حلمي الثرى وأعدت كل عادات الجاهلية وتخلف الجاهلية وسخف الجاهلية وأعدتني إلى عهد الوأد والجواري والإماء ، باسم الحب صادرت لساني وكسرت قلمي ومزقت صفحات أيامي البيضاء !!

أي حب أن تسرق حقي في الحياة  أن تصادر أصابعي وتنعتني بالغباء ، أن تحتكر الحق في الحب والحياة ؟! أي حب أن تسرّق الضوء من فجري وتغرق قمري الوحيد في الظلام ، أن تعلّب مشاعري وتحفظها بمحلول الملح والخل ، أن تُجمّد كل رغباتي في صقيع الوحدة ، أن ترسم أقداري بقلم وورقة ، أن تتحالف مع آلهة الشر لنفي وتستحضر ألف شيطان لقتلي ؟!

إلى الجحيم أنت ورجولتك المكذوبة وتقاليدك السخيفة ، وحبك المفتعل ..لقد أنضجتني الجراح وأثقلت كاهلي كذباتك الكبرى ..إلى الجحيم يا سيد الظلام .فقد وجدت المسار أخيراً ، دربي لا يتقاطع مع دربك فكل دروبك تفضي إلى شقاء !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى