خريف العمر (1)

هند خضر | سوريا


حزمت شمس العمر حقائبها بحسرة مستعدّةً للغروب ، لوّحت بيدها مودّعةً عندما سمعت رنين أجراس الزّمن المسافر إلى النّهاية ، خريف يظهر في الأفق مصطحباً معه بضعة أوراق مصبوغة بلون الذّهب ،تسرّب اليأس بين عروقها وطوت صفحة من كتاب الحياة …
يا تُرى هل سيشقّ الأمل خاصرة اليأس ويخرج منها عنوةً رغماً عن أنف الزّمن حدث حسام نفسه؟
سأسابق قطار العمر وأحاول الوصول إلى محطّة الانتظار علني أجد شيئاً يشبهني جالساً على مقعد ليمسك بيدي ويأخذني إلى مكان أبعد من هنا ،لكن على ما يبدو فاتني القطار و ولّى عهد الشّباب ..
لا لا ستخضرّ أوراقي من جديد وأنا في الخريف على يد إحداهنّ ؟
ظلّ على هذا الحال إلى أن عثر على فتاة أحلامه وهو على مشارف العقد الخامس ،التقى ب ياسمين في منزل أحد أصدقائه ،دار بينهما حوار قصير ولكنّه كان كافياً لنسج بداية حكاية من حكايات الحبّ الجميل بين رجل خمسينيّ وامرأة عشرينيّة ..
إنّها كزهر الياسمين ناصعة البياض ،عطرها فوّاح ،تشبه اسمها إلى حدّ كبير ،كانت تسرد الأحاديث بدلال بينما حسام كان ينظر إليها غارقاً في أسئلته واستفساراته وحتّى دهشته من سرّ هذا الانقلاب الجذريّ الّذي حوّله إلى كائن آخر خلال ساعات قليلة و هو الّذي أمضى حياته واقفاً على شرفة الانتظار وقد تجاوز ما تجاوزه من السّنين ..
أهوَ الحبّ يا نفسي ؟ الحبّ الّذي يدرجه البعض في قائمة خريف العمر وإن كان كذلك فمن المحال أن تبادلني ياسمين المشاعر نفسها ،الفارق في السّنّ بيننا كبير جدّاً وهي كالوردة الّتي تفتّحت حديثاً لذا استفق من أحلامك و كفاك انغماساً في الوهم يا حسام ،في هذه الأثناء كان يراقب نظرات ياسمين فتأكّد من أنّ الغرام اقتحم عالمها بقوّة هي أيضاً ..
إنّه الحبّ لا يعرف الأعمار ولا فرق السّنوات يأتي كالتيّار ،كالإعصار المفاجئ لا شيءيقف في وجهه ..
يبدو أنّ كلاهما سلّم نفسه لإحساس جميل باغتهما دون موعد مسبق ،انغمسا في طقوس حكاية حبّ بكلّ كيانهما و أحاسيسهما حتّى حصل كلّ منهما على رقم هاتف الآخر في نهاية الحوار ..
اقترب منها كثيراً ومنحها أرقى أنواع المحبّة والوداد بلطفه ونضجه، جعلها تشعر أنّها طفلته المدلّلة ،كان يتّصل بها ويقرأ لها الرّوايات الرّومانسيّة فتسافر مع صوته إلى أماكن ليس فيها سوى الدّفء والجمال والشّغف ،كان يتلاعب بالنّهايات وحتّى الحزينة يحوّلها إلى سعيدة كي لا تقع أسيرة الحزن في لحظة عابرة ،شعرت معه انّها نجمة مضيئة وأمسكت الفرح بين كفّيها وعانق الأمان حدود فؤادها ،أيقنت أنّه من الصّعب أن تجد شابّاً في مقتبل العمر يقاسمها مثل هذه الحكاية النّقيّة ولكن يبقى السّؤال الّذي يوقعها في شباك الحيرة ويفسد عليها سعادتها كيف ستنجح في إقناع أهلها بهذا الارتباط ؟
حسام هو الآخر غارق في بحر الأسئلة التي تتقاذفه في كل لحظة..
ماذا لو قرّرت ياسمين الارتباط بآخر يناسبها سنّاً ؟وماذا لو فتح روايته وهاتفها كلّ مساء و لم يجدها …
يتبع ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى