حدود القصيدة

د. علي الدرورة | رئيس منتدى النورس الثقافي الدولي

هل للقصيدة حدود؟،
نحن نعلم بأنّ هناك اثنين فقط يجيبان على هذا السؤال، وهما: الشاعر والناقد فقط،
وقد يسأل أحدنا: ما دور المتلقي؟ وهل دوره هنا هو الإعجاب وكيل المديح للشاعر والثناء عليه فقط!.

القصيدة بمفهومها التقليدي أو الكلاسيكي بوضع التصور أو الإطار العام للمشهد الجمالي في المطلع لا يعني أن يكون الشاعر قد ولج للقصيدة بعد وما كان يودّ قوله، فحيثيات أو تتابع مسلسل أحداث القصيدة حين وضع الشاعر خطته لمضمون القصيدة ما هو إلّا الهدف السامي أو ما نسمّيه في النقد: (روح النص)، الذي عادة يقوم الناقد بدراسته أدبيًّا وتفكيكه لغويًّا وتسليط الضوء على القدرة اللغوية أو المعجم لدى الشاعر واكتشافه من الداخل ومدى قدرته على معالجة النص من نواحٍ عديدة في الطرح، كعمق الألفاظ وجزالة المعنى والأمور الفنية الأخرى، وهذه الأمور كلّها لا يراها المتلقي أو المتذوّق.

تحتم مسؤولية الشاعر في تختيم القصيدة ومعرفة ما إذا كانت الفكرة قد وصلت بشكل واضح لكلّ مطلع، الآن وفي الأجيال القادمة، نجده يقرأ القصيدة ويزيد في اللبنات، ويعيد البناء من جديد من خلال استحضار المخزون اللغوي واستبدال الكلمات بالأفضل والأحسن والأجمل والأروع؛ خشية أن يمسك الناقد عليه منزلقًا فيحسب نقاط الضعف، وهو شَرَك لا يدركه الشاعر الناشئ أو من كانت مداركه الإبداعية محدودة.

نجد الشاعر الحصيف يوظّف فكره بنقاء من خلال إعادة القراءة مرات عديدة جدًّا في فترة زمنية وجيزة، حيث يكتشف خلال ذلك مناطق الوهن، ولهذا فالأقدمين كانوا لا يشهرون قصائدهم إلّا بعد مضي عام وهو ما يعرف بالقصيدة الحولية، أي قد مضى عليها حول كامل فيكون الشاعر فيها قد قرأ قصيدته بما يفوق الكفاية، وقد حفظها عن ظهر قلب، وتأكد تمامًا بأنه لا يوجد فيها أدنى هنة تذكر.
يقول الشاعر:
إذا الشعر لم يهززْك عند سماعه
فليس خليقًا أن يُقال له شعر

وهذا ما كان يرمي إليه الشعراء بكلّ صدق وأنّهم كانوا يضعون نصب أعينهم كثافة الصورة وعمق المعنى وقوة المبنى والإحساس العميق في البيت الواحد، فالمسألة هي تلك وليس الشعر صفًّا من الكلمات وكفى، فذلك ما يسمى بالتهريج.

إنّ الإحاطة بكلّ كينونات ومفاهيم الشعر هو ما يسمى بكنه القصيدة، وهو مسؤولية الشاعر، وعليه فعليًّا أن ينظر لها بالسلم الموسيقي والمعجم اللغوي وبدقة متناهية، وترتيب الأحداث منذ المطلع أو المدخل والمحتوى حتى النهاية أو الخاتمة كما تسمّى.

بين مطلع القصيدة ونهايتها تكمن الحدود المتعارف عليها في بناء القصيدة كنصٍّ متكامل، ففيه كلّ ما يتصل من جميع النواحي بالقصيدة كوحدة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى