الناقدة د. موج يوسف و د. عليّ رّسول الرّبيعيّ (وجهًا لوجه)

حوار عن فلسفة الحب.. يرى المحبّ كل ما هو اعتيادي عند حبيبه مميزاً !!

العاطفة العجيبة التي هي جوهر الحياة! وتعد عاطفة الحب من أكثر العواطف الوجودية إدهاشاً وإثارةً، وقد حيرت الفلاسفة والعلماء منذ أقدم العصور، وألهمت الشعراء والأدباء، وما زالت آثار هذه العاطفة العجيبة قوية ومؤثرة، وذات نتائج اجتماعية ونفسية كبيرة.

لماذا نحب؟ ولماذا يغض المرء الطرف عن عيوب المحبوب؟ وهل تصمد المواصفات الشكلية للمحبوب في إدامة العلاقة العاطفية أم أنَّ هناك عوامل أخرى أقوى. نتعرف في هذا الحوار على بعض الآراء في الحب مع الأكاديمية الناقدة موج يوسف.

الحب عاطفة محيرة. نريد أن نكون محبوبين  لكن ينشأ اللغز عندما نسأل ما هو أساس هذا الحب؟

إنَّ مفهوم الحبّ أشبه بالزئبق تراه وبين يدك لكنّ صعب التمسك به ،وكلّ محاولاتنا لوضع أساس له تتناثر بذورها مع الريح بالمقابل قد تنبت هذه البذور في أماكن قد لا نرغب بها أو كنا ننزعج منها فنجبر على حبّها . وقد يكون أساس الحب هو الشعور لكن فتغنشتاين رأى (أنّ الحب ليس شعوراً) لأنَّ هذا الأخير لا يدوم طولياً فيكون ألماً وليس حبّاً . وأرى أن أساسه يبدأ من الاختلاف بكلّ شيء ، فأبوانا آدم وحواء تحابا وأنجبنا هذه البشرية بسبب اختلافهما وفي يوميات آدم وحواء لمارك توين قال على لسان آدم: (خيرٌ لي أن أعيش خارج الجنة وهي بجانبي من أن أعيش في داخلها بدون حواء). فهذا مفهومه .

هل الحب الذي هو استجابة لشيء ندركه بدقة في شخص ما يتعارض مع ما يعتقده بعضهم من أنَّ الحب أعمى !؟

مقولة الحبّ أعمى تبدو فضفاضة لكنّ هناك من يؤمن بها وتبرز عندما قاله  أنيس منصور عن حبّ الفلاسفة والشعراء (شيء غريب لكلّ معشوقات الفلاسفة دميمات أو لسن جميلات إبتداءً من أستاذ الجميع سقراط وأرسطو) ويضيف: (حتى سالومي التي أحبّها الجميع وأنهار أمامها الفيلسوف نيتشة وعالم النفس فرويد والشاعر ليكة لم تكن جميلة كانت جذابة) وهذا القول يضعنا أمام معيار اتخذه العامة بالحب هو الشكل فكلّما كانت المرأة جميلة أو العكس الرجل كانت حظوظهما بالحبِّ أكبر، ويبدو هذا المفهوم (الشكلي) عند المجتمعات الشرقية أكثر من الغربية فهذه الأخيرة نفت الشكل واهتمت بالجاذبية، ولا نذهب بعيداً بودلير مثلاً كانت معشوقته دميمة وسوداء وأحبّها وكانت الملهمة لقصائده بأزهار الشر حتى قال عنها: لكنها كانت ذئبة بقلب يفيض بالحنان الوافر تُرضِع الوجود من حلمتيها السمراوين. بقناعتي لا يوجد شيء اسمه الحب أعمى.

هل  الحب مستقل إلى حد ما عن سماتنا، رغم أنَّ كثيراً ممن يحبوننا يخبروننا أنهم يحبوننا  لأننا نمتلك  هذه السمات أو تلك؟

على أدنى تقدير نحاول أن يكون الحبّ مستقلاً عن السمات الشخصية وهذه شبه مستحيلة لكنها ممكنة ، أتفق معك أن الكثيرين يقولون أحببناه ؛ لأنه جميل ولطيف ومهذب ووسيم وكلها سمات مرتبطة بالشكل، وهذه نابعة من تفكير سطحي، أرى أن الحب الذي يرتبط بالمضمون هو الأوثق والأكثر إيجابياً فمثلاً جالا الروسية الفاتنة حبيبة وزوجة الفنان العالمي سلڤادور دالي عندما أحبته قالوا لها: إنَّه شاب معدم (قبل أن يصبح فناناً) فقالت: أرى أنه عبقري وصار دالي الفنان العظيم حتى أصبح يوقّع لوحاته بأسمها.

كيف تحل وجهة نظرك الألغاز التي تنشأ من فكرة أننا محبوبون لكوننا قيمين بشكل فريد للشخص الذي يحبنا؟

هذا السؤال مرتبط بالذي سبقه بل ومكملاً له فمن ناحية ارتباط الحبّ بالسمات المميزة التي يراها المحبّ فينا ، ومن ناحية أخرى أننا محبوبون لأننا نمثل قيمة عالية عند الذي يحبنا ،لكن كل ما في الموضوع أن المحبّ حين تنزلق أقدامه يرى كل ما هو اعتيادي عند حبيبه مميزاً ،ويكون بنظره نبياً أو ملاكاً فلا يرى أي عيوب بمعنى أدق يمكن أن نصف هذا الحب بكلمة الشاعر بيرس : إنَّ حبي قوي كحمار.

قد يرى فيك من يحبك خصائص لا تمتلكينها حقاً ، هل هذا أمر مريح أم لا، الا يبدو  أمراً غير مريح، لأنه يعرضك لخطر أن يتخلى عنك حبيبك  إذا كان سيراك على ما أنت عليه فعلا؟

المحب يرى خصائص متخيلة في حبيبه لذلك يقول جيجيك: لا يمكنك أن تقع أبداً في حب شخص كامل. لو تأملنا هذه المقولة نكون قد فهمنا الحب بمعناه الدقيق وهو لابدَّ من وجود شيء مزعج صغير بالآخر لا نتقبله وبهذا يمكن أن تقول بالرغم من ذلك العيب مازلت أحبه إذن (العيوب وحدها تمثل برهاناً قوياً على صدق عاطفتنا) أما الذي يبني صفات متخيلة فيّ ويقع بوهم مستمر حتى تأتي ريح عاصفة وتكشف عن الصفات الحقيقية الموجودة بينا ثمَّ يتخلى فهذا لا يسمى حبّاً.فكونك ترى عيوب من تحب ثم تقرر حبّه فهذا الذي يؤكد صدق العاطفة .

هل إذا أحببنا شخصاً لما شاركناه معه وحده من أيام، وعندها لن يتمكن أحد من امتلاك الخصائص التي نقدرها فيه. بمعنى هل أنه يمكن للتاريخ المشترك أن يجعله ذا قيمة فريدة بالنسبة لنا بطريقة من شأنها، إثبات خصائص الحب النموذجي؟

الحياة لا تسير بشكل نموذجي والحبُّ جوهرها إذن تمحى المثالية والنموذجية منه ومن الشريك نفسه فعالم النفس لاكان قال: نحن لا نرى أو لا نفهم حقاً من نحب بل نقوم بإلصاق خيالتنا عن الحبيب المثالي ، فلا مثالية ولا نموذجية فحتى التاريخ المشترك غير قادر على ذلك . سأوضح الفكرة من من نظرية الحب التي تقدمها كتب الأطفال. يحب الأمير الصغير ويهتم بوردة وحيدة تنمو بالقرب من منزله، لأنه يعتقد أنها أجمل زهرة في الكون. ولكن، عند مغادرته منزله، وجد حديقة بها خمسة آلاف وردة، وكلها جميلة مثل وردته. إنَّ إدراك أن وردته ليست جميلة بشكل فريد يأتي بمثابة صدمة كبيرة له، فيواجه الأمير الصغير أزمة، ويتساءل عما إذا كان حبه لها منطقياً. ينجح الثعلب الودود في حل أزمته بإخباره إلى أن وردته “فريدة من نوعها في كل العالم” بسبب الوقت الذي أمضاه معها، اي تاريخه معها.

يعتقد الكثيرون أن الأخلاق الكانطية تتطلب منا أن نتبنى وجهة نظر محايدة تماماً عن الآخرين وأن هذا يقف في طريق حب بعض الناس بكل إخلاص، أي يجب أن لا نفضل شخصاً على آخر بينما عندما نحب نقوم بالتفضيل. هل تعتقدين أن هذا المنظور لفكر كانط خاطئ أم صحيح؟

بحياة أغلب الأفراد هناك شخص يخرج عن قانونهم الحياتي وبمجرد خروج هذا الشخص عن القانون يعني أنه ذو مكانة سامية تختلف عن الباقين وهذا بحدّ ذاته ينفي ما ذهب إليه كانط لأنه استند على برهان عقلي من دون تطبيق واقعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى