ياسر عرفات اللغز .. وسؤال ينتظر الإجابة

يونس العموري | فلسطين

مرة أخرى يُثار الجدل، بذات السؤال المطروح منذ رحيل الرئيس الشهيد أبو عمار، ويأتي هذا السؤال مضخما هذه المرة في ظل الواقع الفلسطيني الراهن والكثير من التساؤلات حول طبيعة المستقبل السياسي في ظل تجاذبات امراء القيادة السياسية الرسمية بمختلف مشاربها وتوجهاتها التي عجزت عن الإجابة عن سؤال كيف قُـتل الرئيس؟
وعند السؤال والاستفسار يُقال لنا إن التحقيقات في استشهاد أبو عمار مستمرة وأنه لا بد للجنة التحقيق أن تصل إلى الفاعل وارتباطاته، وفي أقرب فرصة ستأتي النتيجة.
وهنا نقول إن الغموض ربما ازداد جراء الكثير من التصريحات التي صدرت بهذه القضية الحساسة وهناك الكثير من الأحاديث الهامسة بمعرفة حلقات مؤامرة قتل أبو عمار التي لا يُراد لها أن تنكشف وتتكشف ولطالما إن البعض يعلم ويعرف جوهر الحقيقة فلماذا لا تعرف الجماهير هذه الحقيقة التي من حقها أن تعرفها. ولطالما إن هذا البعض يعلم فلماذا لا تتم قنونة هذه المعرفة بالإطار القانوني الجنائي وبالتالي يُصار إلى الإعلان رسميا عنها وفقا للإرادة القانونية ؟ أم إننا أمام مجموعة من الأكاذيب المتفق عليها؟
كأننا ندور بالحلقة المفرغة كل عام وعند اقتراب موعد الذكرى نحاول إحياءها لتمر هذه الجعجعة المفرغة من المحتوى، ونحاول أن نمارس عويلنا ونحيبنا ونكرر السؤال، وكأننا بذلك نكون قد عملنا ما علينا من واجب تجاه الذكرى، وهو السؤال الذي يقض مضاجع الجميع!
من قتل الرئيس…؟
سؤال ما زال صداه يتردد كلما اقتربنا من جوهر الحقيقة، ولربما لا يُراد لنا ان نعلم ورن نعرف حقائق الأشياء ومكامنها، لئلا نكتشف خبايا الأمور ودهاليز مسار المؤامرة ومحطات التآمر وتلك الأيدي التي ما زالت تمعن بفعل التخريب وممارسة العبث الممنهج بحق الوطن وقضيته ليكون التلاعب بمصير الشعب وحقوقه أسهل.
من قتل الرئيس؟ سؤال ما زال يقض مضاجعنا ولا يمكن أن يستوي تاريخنا المعاصر دون أن تتم الإجابة عليه، وليس المقصود بالسؤال فعل القتل بحد ذاته… فالكل يعلم أن إسرائيل هي من اغتالت القائد الرئيس ياسر عرفات.
وكان إن اتخذ القرار حينما عرفوا وتيقنوا أن للرئيس مسار معاكس تماما ورغبتهم بإحالته إلى قرضاي فلسطين الجديد، وإن ما حاولوا أن يفرضوه عليه سقط على صخرة صموده الأسطوري في عقر البيت الأمريكي (في منتجع كامب ديفيد) صيف العام 2000 وأن هذا الرئيس هو من يستطيع أن يزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة من خلال الفعل النضالي الكفاحي المحسوب الخطى، وإن أراد فبمقدوره أن يحرك دفة العمل السياسي وفقا لاتجاهات الريح حتى يكون الإبحار أمنا سليما.

أدركوا أن للرئيس خطوط حمراء لا يمكن أن يقفز عنها ولا يسمح لأحد بالقفز عليها، ويعلم كيف من الممكن رن يتعامل والمتغيرات الفارضة لذاتها.
عرفوا عنه الكثير وعرفوا أنه الصُلب في مواجهة المصير، وحينما اقتربت ساعة الحسم الفعلية لحقائق الأمور على أرض الواقع قال كلمته التي أذهلت كل من كان يراهن على ياسر عرفات بالخنوع والسقوط بحبائل التآمر الإسرائيلي الأمريكي… حيث (اللا) المدوية حينما أطلقها بوجه كلينتون وباراك حينها، واستدراكا للحظة قيل له ألا تعلم أنك بحضرة الزعيم الأول في العالم؟ وكيف لك تن تقول هذه (اللا)؟
تلك (اللا) التي لا تستوي وأدجديات الفعل الدبلوماسي المعاصر؛ بل إنها تعتبر بالعرف السياسي في ظل عصر العولمة والواقعية السياسية الجديدة دربا من دروب الخيال لا تستوي إلا في ظل حالة المُنتصر… وياسر عرفات كان يشعر دائما أنه المُنتصر لطالما إن فعل التفريط والتسليم بما يريده حكام الدولة العبرية لم يتحقق. ولطالما إن تجاذبات القضية الفلسطينية وارتداداتها تؤثر بفعل الاستقرار الإقليمي وإنها ما زالت واحدة من أهم بل ومن أعقد قضايا المنطقة وإن ما يسمى بفعل الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يستوي لطالما أن المسألة الفلسطينية على حالها.
وحيث إن الرئيس ياسر عرفات كان مدركا لهذه الحقيقة فقد اعتبر نفسه (وهذه حقيقة) يملك أوراق اللعبة السياسية، وبالتالي فإنه يمسك بزمام المبادرة ومسيطر على قوانين الصراع ويحركها وفقا لتطورات وتفاعلات الأحداث الدولية والإقليمية محاولا الاستفادة بشكل براغماتي من كل ما من شأنه الإسهام في خدمة المسألة الوطنية بالدرجة الأولى.
وحيث إنه قد دخل عش الدبابير (الفعل السياسي الدولي) من خلال البوابة الأمريكية والتي أضحت اللاعب الأساسي والأول في العالم في ظل عصر القطب الأحادي القطب والفارض لقوانين وشروط السياسة الدولية ومحركاتها وخنوع الكل الإقليمي لإرادتها وتنفيذ محدداتها خدمة لراعي بلاد العم سام ومصالحه بالمنطقة التي تتوافق وتتقاطع ومصالح تل أبيب ومن يقف على هوامشهم
بل إن رجالا اعتقدوا أنهم يمثلون الرأي الأخر لرأي الزعيم في البيت الفلسطيني حاولوا أن يتساوقوا وإردة البيت الأبيض الجديدة وبالتالي وإرادة حكام تل أبيب قد عاكسوا ياسر عرفات حينها.
و قيل إن ياسر عرفات قد أخطأ وما كان له أن يقول تلك (اللا) وإن هذه (اللا) قد جرت الويلات على القضية الفلسطينية وشعب الضفة والقطاع محاولين أن يتمظهروا بمنطق الرأي الأخر وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية.
وفي محاولة مفضوحة ومكشوفة استمر الـتآمر على القائد فمرة من خلال تقويض صلاحياته وأخرى من خلال محاولة سحب البساط من تحت أقدامه وتارة بإدخال تعيينات جديدة في النظام السياسي الفلسطيني لتقويض سياسات الرئيس.
بل إن الأمر قد وصل إلى تضخيم مؤسسات رسمية وجعلها بما يوازي دويلات داخل النظام الرسمي الفلسطيني على شكل إمبرطوريات يقف على رأسها أباطرة جدد تعاكس رؤاهم رؤية عرفات ذاته.
أعتقد أن قرار اغتيال الرئيس الرحل أبو عمار قد جاء إدراكا من قبل كل هؤلاء أن فعل القتل سيسهم في إفساح المجال لما يسمى بالواقعية السياسية الجديدة ولإزالة (كلمة وفعل اللا) العرفاتية … ولإيقاف مسلسل التأثير بمجريات العملية السياسية على المستويين المحلي والإقليمي من قبل الجانب الفلسطيني بهدف إجبار القيادة الفلسطينية على التعامل والوقائع الجديدة على الأرض للتسليم بما هو مطروح أمريكيا وبالتالي إسرائيليا.

لقد أدرك صُناع السياسة الأمريكية وبالتالي الإسرائيلية أن ما يسمى بالسياسة العرفاتية قد شكلت عقبة حقيقية على طريق الصناعات السياسية السلامية التسووية للمنطقة التي لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا من خلال بوابة فلسطين… فكان لا بد من فعل التغييب والترحيل لياسر عرفات وهذا ما كان.
إلا أن السؤال يعود ليفرض نفسه: من قتل السيد الرئيس؟ والمقصود هنا بفعل القتل عمليا، أي من الذي ساعد وجهز وأحكم سيطرة فعل القتل ذاته؟ ولماذا بقيت الحقيقة غائبة؟ ومن هو المستفيد فلسطينيا وحتى عربيا من فعل تغييب ياسر عرفات بالفعل؟ وإذا ما نظرنا إلى وقائع القضية الفلسطينية بالظرف الراهن ما بعد ياسر عرفات ندرك حجم الكارثة وما آلت اليه قضيتنا الوطنية.
ولربما أدعي أن المنهج العرفاتي ما كان ليسمح أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
حيث تمزيق وتفتيت الوحدة الجغرافية لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ما بين سيادتين متناقضتين مختلفتين متناحرتين (فتح وحماس) وحيث تراجعت مكانة حركة فتح بالأوساط الجماهيرية الشعبية الفلسطينية وتقهقرت مكانة الحركة الوطنية الفلسطينية بكل رموزها وتراثها التاريخي ومضامينها النضالية الكفاحية، ليسهل بالتالي فرض ما يسمى بمشروع التسوية في المنطقة دون أن يكون هناك ما يمكن أن يسمى باللا العرفاتية أو التلاعب على المتناقضات من قبل عرفات أو تحريك أدوات الصراع الأخرى الجماهيرية والكفاحية التي لطالما استطاع عرفات أن يتعامل معها بحنكة وذكاء وفقا لمعطيات المرحلة.

أعتقد أن عملية اغتيال الرئيس عرفات ما كانت لتكون إلا في ظل تواطؤ فلسطيني عربي… وبالتالي من حقنا أن نعلم وأن نعرف من قتل الرئيس فعليا ومن اشترك وجهز لفعل القتل هذا وبالتالي لانهيار الواقع السياسي الفلسطيني لتبدو الصورة كما هي عليه الأن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى