رثاء متأخر في ياسر عرفات

د. خضر محجز | فلسطين

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير أئمتكم الذين تصلّون عليهم ويصلّون عليكم. وشر أئمتكم الذين تلعنونهم ويلعنونكم”.

ويقول كذلك: “إن شر الرعاء الحطمة”.

اليوم وأنا أقف وحيداً مطارداً من الفئة الباغية أتذكرك، كما يتذكر المسافر في صحراء قاحلة نجوم الهدى. أتذكرك؟. فهل نسيتك أبداً، وكل ما أراه يذكر بك ويهدي إليك ويلعن شانئيك، في زمن تعملقت فيه الأقزام، واستأسدت فيه السحالي والعظاءات وبنات آوى؟!..

أي رجل، وأي خصوم!..

أي جمال يتواضع، وأي قبح يتعالى!..

أي لحظة نور، وأي ظلامية!..

اليوم أتذكرك ـ وقليل من يفعل ـ في هذه اللحظة الموغلة في الخراب والظلامية، والقهر المتلفع بوجوه لا تعرف البسمة، وقلوب لا تعرف الرحمة، وضمائر تكن كراهية لا يحتملها عالم بأكمله؛ ناهيك عن وطن مسكين وقع في قبضة مجموعة من الأفاقين ومحدثي النعمة.

ياسر عرفات القدوة الحسيني.. وكم يحلو لي أن أغيظ الحاقدين بترداد اسمك!.. كم يحلو لي تصور وجوه شائهة تكفهر، وصدور مليئة بالضغينة تتمزق، وعيون تحاول أن تنافقني بالابتسام، عند ترداد اسمك، فلا تنجح إلا في اللمعان ببريق يكفي لإحراق كل من يدب على وجه الأرض!..

من أين جاءت كل هذه الكراهية!.. وكيف استطاع قلب أن يحتمل لهيبها؟!.. كيف استطاع قلب أن يمتلئ بكل هذا الغل ثم يكون له بيت وأولاد؟!.. كيف استطاع قلب، يحمل كل هذا الحقد، أن يعيش وأن يخرج من بيته في الصباح، دون أن يتعثر برمال الأرض ولعنات الملائكة!.

أبا عمار،

أذكرك فيهمي الندى، وتشرق الشمس، ويحلولك وجه الشيطان.

كنا مزقاً من اللاجئين، فحولتنا إلى شعب مقاتل يسعى لانتزاع حريته، بعد أن كان يقف طوابير في انتظار حصة التموين من وكالة الغوث. فهل يستطيع شيطان مهما كان حجم مكره إنكار ذلك؟!.

كنا مشتتين تحت كل سماء وفي كل أرض، فاقدين لهويتنا الوطنية، فأعدت بعث كينونتنا المتجددة، ورفعت اسمنا في كل محفل، وقلت للعالمين: هذا شعبي وإنه لشعب الجبارين. أعطوه وطناً، أو فلتتهيأوا لما هو أشد من الموت.

أعطيتنا اسماً وهوية وعلماً، وغرست فينا جذوة الكفاح، وقلت: هذه ثغرتكم فاملأوها، في وقت كان فيه الآخرون يلهثون وراء تحرير الأندلس، ويملأون ثغرات بعيدة هروباً من مواجهة الأصعب.

يا سليل الحسين ـ واستحققت ذلك عن جدارة ـ كنا كلما ضجت بنا الحياة هربنا إليك، كما يهرب الولد إلى والده. فما عاد لنا اليوم والد، وتسلط علينا اللئام. أيتاماً أصبحنا على مآدبهم العامرة: لا يلقون إلينا الفتات، حتى وهم يطالبوننا بالصمود!.

كلما ملأ الضيق صدورنا كنا نلقي عليك أعباءنا، فتحملها ولا ينوء ظهرك، ولا يتراجع صبرك، ولا يضيق صدرك، بشكاياتنا وإحباطاتنا وانتقاداتنا. فجاءنا اليوم من يلعننا كلما شكونا ويتهمنا كلما ضقنا، ويهددنا كلما اعترضنا.. ثم يطلب منا أن نسبح بحمده كأنه الله!. أكان الله ظالماً إلى هذا الحد، أم كانوا كاذبين في تصويره على هذه الدرجة من القبح.. إنها إذن لوسيلة مبتكرة في الصد عن سبيل الله!.

أبا عمار،

وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ.

أبا عمار،

طبت حياً وميتاً..

طاب ممشاك، وطاب ملقاك، وطابت سيرتك..

ولعنة الله على الظالمين.

اكتب إلى جميل السلحوت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى