المجاعة الديمقراطية عند العرب

توفيق أبو شومر

اللوحة للفنان: كارل ويتكوسكي – رسام بولندي

تقاس أزمات الأمم بقدرة أهل الأزمات على الصمود، وقدرتهم على الاستفادة من تجاربهم السابقة والراهنة، فهل تمكن العرب والفلسطينيون على وجه الخصوص، من أن يكونوا من فئة المستفيدين الرابحين من الأزمات، أم أنهم خاسرون فاشلون؟

سؤال ينبغي أن نجيب عليه بصراحة ووضوح، لأن من يتابع مجريات الأحداث في ساحتنا العربية وفي الساحة الفلسطينية على وجه الخصوص، فإنه لا شك سيلاحظ النقاط التالية:

تَراجعَ الاهتمامُ بالقضية الفلسطينية، فقد أصبحت قضية فلسطين قضية (توظيفية) توظفها الأحزاب العربية إذا أرادت أن تُشهَّر بخصومها، وأن تطيح بهم، ولكن هذه الأحزاب تحجم عن دعم القضية الفلسطينية دعما عمليا، وأصبحت ترى في فلسطين مجرد ملفٍ مزعج، وأغنية تراثية لم يعد لها جمهورٌ يشجعها، وأكبر الأدلة على ذلك أنَّ بعضَ الأحزاب العربية فتحتْ ملفاتها القديمة، وشرعتْ تفخر بالتضحيات التي قدمتها في سبيل قضية فلسطين في القرن الماضي، وأعادتْ إلى الأذهان المآسي التي سببتها مأساة فلسطين، وتُحجم هذه الأحزابُ العربية حتى الآن أن تقول في العلن:

 كفى.. لم نعد نطيق ذلك!

استفادت إسرائيل من الأحداث العربية الجارية الآن، ووظفت هذه الأحداث في حملة دعائية كبرى، لم تلقَ اهتماما ومتابعة لا من العرب ولا من الفلسطينيين، فقد رفعت إسرائيل شعارا تصحيحيا جديدا يقول:

 ” أيها العالم أرأيتم  كيف أخطأتم في حق إسرائيل؟!

 انظروا، ليست إسرائيل هي السبب فيما يجري من أحداث، السبب يعود إلى الديكتاتوريات العربية، وإلى التطرف الديني والإرهاب الأصولي، وإلى المجاعة الديمقراطية في العالم العربي، فهي أسباب كل مصائب العرب، إذن فإسرائيل بريئة براءة تامة من القول البائد:

” لولا وجود إسرائيل في المنطقة، لما ظهرت الأزمات والحركات الإرهابية، ولما اشتعلت الحروب!!”

نجحتْ إسرائيل أيضا في ملف غزة، فقد تمكنت من إلقاء هذا الملف في حِجْرِ مصر، ونقلته إلى ملف يهدد أمن مصر، وغاب الاحتجاجُ على حصار غزة إسرائيليا، وازدهر ملف حصار غزة مصريا، فانتقل الضغط، من ضغط على المحتل الإسرائيلي، إلى ضغط على الجار المصري!

تمكنتْ إسرائيل أيضا من إبراز وجهها الديمقراطي، بعد أن زال الزيف عن وجهها، بفعل القمع والاحتلال والاستيطان واغتصاب الأرض وتشريد الصامدين في أرضهم، من بدو النقب وسكان القدس والخليل والأغوار، فتمكنت إسرائيلُ مستفيدة مما يجري، من استعادة أسطورتها التقليدية القديمة وهي:

 ” واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط” وذلك بالخطوات التالية:

أعادتْ إسرائيلُ المفاوضاتِ الفلسطينية الإسرائيلية في هذا الظرف العصيب، ولفتتْ نظر العالم إلى أن أشد الأخطار التي تهدد العالم، هو النووي الإيراني، وصواريخ حزب الله، وكيماوي سوريا، وأوعز وزير الدفاع موشيه يعلون إلى جنوده بأن يقبلوا لجوء السوريين المصابين لعلاجهم في مستشفيات إسرائيل، من جروح أهلهم وذويهم وأبناء عشيرتهم، فمنذ أيامٍ قليلة احتفل مستوصف صفد يوم 2/11/2013 بأول مولود سوري من رحم فتاة سورية لجأت إلى الجنود الإسرائيليين فنقلوها إلى مستوصف زئيف في صفد، كما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت، وقام الإعلام الإسرائيلي بتسويق صورتها في المستشفى وإبراز حديثها وهي تقول:

 ” لم أشعر بأنني كنت في دولة معادية، فقد منحوني الرعاية، وغيروا آرائي السابقة عن إسرائيل”

تمكنت إسرائيل بالضربة الفنية القاضية من تخريب البنية الرئيسة للجيوش العربية، وتوجيه قدراتها وبنادقها إلى أعدائها من أهلها وربعها، فأنشد الجيش الإسرائيلي نشيد هاتكفا على وقع انهيار قوة الجيش السوري، وانشغال الجيش المصري بمحاربة الإرهاب، وتحطيم قدرات الجيش الليبي، وانشغال الجيش السوداني بقضاياه الداخلية، أما عن الجيش العراقي فهو مشتت القوى متفرق الولاءات!! ووجدت ذريعة مقبولة لدى العالم أجمع عندما جرَّدت الجيش السوري من أسلحته التي يمكن أن تهدد أمنها، فهي تقصف من وراء الستار، وتدمر بأيدٍ خفية كل قدرات وإمكانات هذا الجيش، وكل الغارات والدمار بدون إعلان الحرب رسميا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى