الرافعي.. وإمارة البيان !

طاهر العلواني | مصر

تناغمت تحت قلمه حلي البيان وجواهره، وتلاءمت في رياضه عيون الأدب وأزاهره، وأنشأ له أعلاما يهتدي بها الأدباء في ظلمات البر والبحر، ورفع له سقفا ومعارج عليها يظهرون، وأخذ من حليّ الكلام لؤلؤَه، ومن عيون البيان بؤبؤَه، حتى أحيا فينا سُنّة الأعراب محتجبةً عن أعين البلهاء، مزدانة لقلوب النبهاء، مكتسية إزار الطهارة وحلّة البهاء، مخدّرة عن مسامع القيون ونواظرهم، حليلةً للأخلاء والأصفياء، فأصاب من الحكمة سرائرها، ومن البلاغة خواطرها، وساعدته القريحة، واستجابت له نفسه، حتى انقاد له الصعب، وانجلى الظلام، وانفتح المبهم، فملك سبل البيان من ذوائبها ونواصيها، وواتته القلوب دوانيها وقواصيها، وذلت له المعاني طوائعها وعواصيها، فزيّفَ الباطل وحرَّفه، وزيَّن الحقّ وزخرفَه، بأفصح لغة، وأتمِّ إخلاص، وأشرف نيّة، وأطهر عقيدة، وأظهر يقين، فقامت كلماته في النوادي مشيدة بمحاسنه، وأدخلته في مضمار السابقين، وجعلت له لسان صدق في الآخرين، فالزم التؤدة إذا وردت حياضَه، وروّضْ نفسك عليها أحسن الرياضَهْ، تميِّزِ الحسنَ المطبوع، من المتكلَّف المصنوع.

وإياك ومن حُرم نصيبه من الأدب فأعرضَ، ونكص عقله على عقبيه فتنكَّب، فإنهم مؤلَّفون من نقص وعجز، وكلامهم ظاهره الصفاء وباطنه الكدر، وأوّله راحة وآخره كد، ووضوح يفضي إلى إبهام، ورضا ينقطع إلى سخط، وحرية تنحدر إلى رق، ووالله ما تكلموا إلا لانقراض أعلام الأدب، ونفوق أهل الصناعة، وفتش آدابهم تجدها ملحا أجاجا، وظلا زائلا، وأحلامَ نائم، وعسلا مدوفا بالسم.

ولَرفعُ المعارّ عن لسانك أجدر من دفع المضارّ عن بدنك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى