الأيديولوجيا كوعي زائف

د. خضر محجز | فلسطين

الأيديولوجيا هي بناء فكري متكامل، يدعي أنه قادر على توصيف مشكلات الواقع، ويضع برنامجاً عملياً لحل هذه المشكلات. من هنا فمن الطبيعي إذن أن تسعى كل أيديولوجيا إلى الوصول إلى السلطة، لتطبيق برنامجها، وفرضه على حياة الآخرين.

هذا تعريف مبسط للأيديولوجيا عموماً. والسؤال هو: لماذا اعتبرها ماركس نوعاً من الوعي الزائف؟.

الواقع أنها فعلاً نوع من الوعي الزائف، للأسباب الآتية:

1ـ لأنها نتاج واقع تاريخي: زمانياً ومكانياً.

2ـ لأنها نتاج فئة محدودة، لها مصالح خاصة.

3ـ لأنها مقولبة ضمن قالب نظري يدعي الكمال، ولا يقبل المناقشة.

4ـ لأنها تنظر لباقي الأفكار ومعتنقيها نظرة استعلائية، وتعتبرهم ضالين عن الحقيقة.

والآن سوف نفصل ردنا على كل نقطة من النقاط الأربع السابقة:

أولا: في ردنا على النقطة الأولى، يمكن القول ـ بكل نزاهة ـ إن الأيديولوجيا هي بناء فكري نتج في زمن مضى، وفي مجتمع محدد. ولن يكون ضرورياً اعتبار هذا البناء الفكري صالحاً لزمن مختلف ـ حتى في نفس المجتمع ـ أو في مكان مختلف: فنحن نعلم أن اختلاف الزمان أو المكان يقتضي اختلاف النظر الفلسفي. وللمتدينين أقول: إن الشافعي غير مذهبه بمجرد أن انتقل من العراق إلى مصر.

ثانياً: وفي ردنا على النقطة الثانية، نقول بأن أي فئة مفكرة لا يمكن لها ـ في الغالب ـ أن تنطلق مما يخالف مصالحها المادية. فنحن نرى الطبقات الغنية تبرر ما وصلت إليه من غنى باجتهادها الخاص. كما نرى الطبقات الفقيرة تبرر فقرها باستغلال الآخرين لها. بل إننا نرى الكسالى والعاطلين يبررون كسلهم وعطالتهم بمقتطفات (فلسفية) تحبذ الكسل. كما نرى (المتدينين الجدد) يبررون شراهتهم إلى النساء بزواج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عدة نسوة، ويبررون حرصهم على المال بغنى عبد الرحمن بن عوف، ويبررون طغيانهم بالاستناد إلى تاريخ الخلفاء غير الراشدين، ويبررون رغبتهم في السلطة بتطبيق الشريعة السماوية، التي ليست سوى أفكارهم الخاصة، منسقة بشكل مقبول وخادع… وهكذا.

ثالثا: أما الرد على النقطة الرابعة، فلا يحتاج إلى كثير كلام، لأنه لا يمكن اعتبار أي فكرة بشرية هي الحقيقة المطلقة، حتى لو استندت إلى شريعة سماوية. فكل ما يقولون عنه شريعة سماوية، سرعان ما يتبين ـ عند التطبيق ـ على أنه مجرد فهم بشري، لنصوص قد تكون صحيحة، وقد لا تكون كذلك.

رابعاً: أما الرد على النقطة الرابعة، فيمكن إجماله في دعوة إلى التأمل. أليست هذه نوعاً من الفاشية؟. أليست كل نظرة تمجد القوم أو الجنس أو المعتقد فاشية جديدة؟!. وهل يمكن القبول بالفاشية، في زمن بات فيه حلم الديموقراطية يداعب كل الأعين؟.

ونتيجة لكل ما مضى، فإن الأيديولوجيين يرفضون اعتبار الشعب حكماً له وجاهته. لأنهم ينطلقون من تعاليم النظرية فحسب، كالمعلم الذي يشفق على التلميذ، فيمنعه من اللعب بالنار، خوفاً عليه من أن يحرق أصابعه.

والنتيجة القاطعة أن الأيديولوجيات والأيديولوجيين خطر حقيقي على الديموقراطية. والواقع يقول إن الأيديولوجيين حين يمسكون بزمام سلطة ما، عن طريق صندوق الاقتراع، فإنهم سيستحلبون هذه السلطة أقصاها، لتحقيق المبادئ التي تكفل لهم دوام السلطة. أي أن السلطة عندهم تنتج أدوات ديمومتها. وبديهي أن من كان هذا شأنهم فإن التنازل عن السلطة، عن طريق صندوق الاقتراع، ليس في حسبانهم، ومرفوض من حيث المبدأ. إن الأيديولوجيين سوف يرفضون دوماً التنازل عن السلطة، تحت إرادة شعب يرونه (جاهلاً بمصلحته).

لهذا كانت الأيديولوجيا خطراً على الديموقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى