عن فليم أميرة وعن صناعة السينما

المحامي شوقي العيسة | فلسطين

الفن السينمائي هو أحد العوامل المؤثرة في ثقافة الجيل. لذلك تجد أصحاب الشركات الكبرى ورؤوس الأموال، وكذلك الحكومات، يهتمون جدا بصناعة السينما، وما هي الثقافة التي تنشرها وما هي الرسالة التي يرسلها أي فيلم.

فإما أن تحول السينما الجيل إلى ثقافة الأحلام الوردية، والعواطف وحياة الخيال، وتبعدهم عن مشاكل المجتمع الحقيقية. أو تجرهم إلى ثقافة العنف والجرائم والبطل الخارق، أو تعيّشهم لساعتين حياة الأسر الغنية وتُجمّل أخلاق وكرم الأغنياء، وإخلاص الفقراء لهم، نتيجة للحظات الإنسانية التي ينعمون بها عليهم.

أو طبعا الأفلام السياسية المباشرة إلى حد ما، والتي تنشر فكرة أن شعب معين أو دين معين يمثل الإرهاب أو البخل والجشع أو التخلف والفشل.

بالتأكيد أن فيلما واحدا لا يحقق ذلك، ولكنه يشكل درجة من سلم طويل، وبتكرار الفكرة بأشكال مختلفة يتحقق الهدف. وبعد ذلك تجد الجيل مدمنا على نوع الأفلام المطروح في السوق. وتجد شركات الإنتاج لم تعد بحاجة إلى أيدي خفية توجهها، بل تبادر من نفسها إلى صناعة ما أصبح مطلوبا، من الجيل الشاب ويحقق الأرباح.

وعندما تحاول جهة حريصة على المجتمع، تقديم سينما تناقش مشاكل المجتمع الحقيقية، فإنها لا تجد من يشاهدها، وتخسر دون أن يحاربها أحد بشكل مباشر.

بعد الحرب العالمية الأولى وأثناء الأزمة الاقتصادية العالمية استعانت الولايات المتحدة الأمريكية بإدوارد بيرنيز وهو من أقارب فرويد وهو الذي استخدم أفكار ونظريات فرويد للتحكم بالشعوب والجماهير. فماذا فعل السيد بيرنيز، قال لهم، بما إن هدفكم الأساسي مصلحة الشركات الكبرى التي تتحكم بالدولة، فلن تنفعكم المعادلة الكلاسيكية الموجودة في الدول (حكومة ومواطنين) يلزمكم (حكومة”شركات” ومستهلكين) عليكم تحويل المواطنين إلى مستهلكين وأفضل وسيلة هي الإعلام والدعاية والسينما.

على سبيل المثال لا الحصر شركات التدخين كانت محرومة من أرباح كبيرة لأن نصف المجتمع (النساء) لا تدخن، في ذلك الوقت، فبدأت السينما والتلفزيون والدعايات تظهر الجميلات والشهيرات والغنيات وهن يدخن بطريقة جذابة، وبعد عدة أفلام ودعايات انتشر التدخين بين النساء بشكل كبير.  وفعلا أمريكا سارت ولا تزال سائرة على هذا النهج.

بالعودة إلى فيلم أميرة، لوحظ في الفترة الأخيرة إنتاج أكثر من فيلم عن موضوع النطف المهربة أو المحررة، أحدها يعرض على شبكة نيتفليكس العالمية. وآخرها فيلم أميرة.

كيف يُصنع أي فيلم؟

شركة الإنتاج تتعاقد مع كاتب سيناريو أو عدة كتاب على كتابة سيناريو معين في موضوع معين، تطرح عليهم الموضوع والفكرة التي لديهم عن الجانب أو الجوانب من الموضوع التي يريدون لفيلمهم معالجتها والهدف من الفيلم.

أحيانا كاتب سيناريو يكتب سيناريو أو يطرح موضوعا على شركة الإنتاج لصناعة فيلم ولكن في الحالتين شركة الإنتاج هي المقرر.

الكاتب يجري أبحاثا عن الموضوع ويستعين بخبراء ويستخدم الحقائق ويجيرها كما يشاء أو يبني عليها قصته بطريقته أو يلوي عنقها.

في الأفلام التي أنتجت مؤخرا عن الأسرى الفلسطينيين وموضوعها النطف، إما إنهم لم يجروا أبحاثا ولم يهتموا بكيف تتم العملية أو إنهم أجروا أبحاثا ويعرفون ويتجاهلون لأن الحقائق لا تهمهم.

الفيلم الذي شاهدته على نيتفليكس وسيناريو فيلم أميرة الذي قرأت عنه من مصادر مختلفة بما في ذلك أقوال صانعيه، لم تظهر فيهما حقائق ومعلومات عن كيفية حدوث هذه العملية وجوانبها المختلفة.

فيلم أميرة بالنسبة لي أراد إيصال فكرتين؛ الأولى أن الصهيوني ينتصر على الفلسطيني مهما حاول هذا الأسير الفلسطيني والثانية أن الفلسطينيين شعب حاقد وكاره وطارد وغير إنساني حيث أظهر الفيلم أن العائلة الفلسطينية عندما اكتشفت أن البنت البريئة من نطفة جندي وليس أسير نبذوها وعاملوها بقسوة واضطروها لمغادرة البلاد.

طبعا الإنسان العادي الذي يشاهد الفيلم ربما لا يفهم بوضوح هاتين الفكرتين ولكن التكرار سيؤدي إلى ذلك إضافة إلى أن السينما تخاطب العقل الباطن للإنسان أكثر من مخاطبة عقله بشكل مباشر.

منع الفيلم هو مسحة غباء لأنه من المستحيل في عصرنا هذا منع شيء ومن يحاول ذلك هو العاجز والضعيف.. الصحيح هو المواجهة وصناعة سينما تظهر حقيقة الشعب الفلسطيني وحقيقة بطولات الأسرى.

فهل لنا أن نأمل أن جزءا من ملايين منظمة التحرير والسلطة والفصائل تصرف على هذا الميدان الهام بدل صرفها على التفاهات في كثير من الأحيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى