التطبيع مع العدو

جميل السلحوت | فلسطين – القدس الشرقية
يردد كثيرون من المثقفين والصحفيين والكتاب العرب، كلمة التطبيع، مقترنة بالعلاقة مع اسرائيل، فتارة يرددون عبارة التطبيع الثقافي، أو التطبيع الاقتصادي، أو التطبيع الشعبي …. إلخ، وهم يرددون ذلك من باب الشتيمة أو الشماتة … وكثيرا ما يلصقونها بأحد أبناء الشعب الفلسطيني أو بإحدى المؤسسات الفلسطينية، ويبدو أن كثيرين ممّن يرددونها ” مضبوعون ” على رأي أستاذنا عبد الفتاح القلقيلي، فعندما يصادف ضبع أحد الأشخاص في البراري فإن الثقافة الشعبية تقول بأن الضبع ضبعه، فيقوده الضبع إلى جحره ليفترسه، ويمشي الضحية خلفه مستسلما دون وعي، وعندما يصل إلى الجحر يرتطم رأسه بسقفه، فتسيل دماؤه، فيصحو من ضبعنته ويعود عقله إليه فيقاوم الضبع أو ينجو بنفسه .
والتطبيع هو إقامة علاقات إنسانية طبيعية في ظروف طبيعية بين أفراد أو جماعات، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون هناك تطبيع بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال، لأنّ الاحتلال مخالف للطبيعة البشرية، لذلك فإن العلاقة القائمة بين المحتلين وبين الشعب الواقع تحت الاحتلال هي علاقة بين قامع ومقموع، بين جلاد وضحية .
والشعب الفلسطيني في وطنه الذبيح يمرّ من الحواجز العسكرية القائمة على أرضه ويتعرض للتفتيش والإهانة والتنكيل، فكثير من النساء الفلسطينيات ولدن عند الحواجز التي تمنعهن من الوصول إلى المستشفيات، وكثير من المرضى ماتوا عند هذه الحواجز للسبب ذاته. والفلسطيني الذي يريد مغادرة فلسطين عبر المعابر الحدودية يخرج منها ويعود إليها بتصريح إسرائيلي عليه طوابع إيرادات أسرائيلية ويُختم تصريحه بخاتم اسرائيلي، ويتعرض للتفتيش بما في ذلك ” التشليح ” – ستريب تيز- ، ومن يغادر عن طريق مطار بن غوريون فإنه ربما يسافر بوثيقة سفر إسرائيلية، تختم بالخاتم الإسرائيلي،ويتعرض لنفس اجراءات التفتيش .
ولا خيار للفلسطيني في ذلك، مثلما لا خيار له في وجود الاحتلال واستمراريته .
فيأتي بعض الفلسطينيين في أرض اللجوء، وبعض العرب ليتفاخروا بأنهم لا يسافرون إلى فلسطين؛ لأنهم يرفضون التطبيع مع الاحتلال كما يفعل بعض فلسطينيي الداخل، ويتناسون أنّ الاحتلال لا يسمح لهم بالدخول أصلا، ومع أن المقارنة مغلوطة، فابن الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يعض على تراب وطنه بالنواجذ منذ عشرات السنين، له أقارب وربما له مصالح علمية أو اقتصادية، وقد يملك عقارات في إحدى الدول العربية أو الأجنبية، ولا خيار له إلا بالخروج عبر المعابر الاسرائيلية وطبقا للقوانين الاسرائيلية، ويأتي مناضلو القصور أو فنادق الخمسة نجوم ليزاودوا عليه في الوطنية والنضال، ويتناسى المزاودون على أبناء فلسطين المحتلة عشرات آلاف الضحايا الذين سقطوا إلى قمة المجد، ومئات آلاف الجرحى والأسرى، فحوالي سبعمائة ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة تعرضوا للاعتقال من ثلاثة أشهر إلى عشرات السنين، وبعضهم مثل بعض الجرحى خرجوا بعاهات مستديمة، فهل من يعبر الحدود إلى دولة شقيقة مجاورة أو صديقة للعلاج يعتبر مطبعا .
ومن المفيد هنا التذكير بأن بعض ” المضبوعين ” إعلاميا من العرب لا يعلمون حقيقة الأوضاع في الأراضي المحتلة، فنجدهم يكتبون المقالات الرنانة، يتهمون هذا ويدافعون عن ذاك مع أن الحقائق قد تكون معكوسة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى