لماذا لا نحتفِل بذَنَبَةِ العام المُنْصرِم؟

سهيل كيوان | فلسطين

Frederick Sands Brunner (1886 – 1954) Pennsylvania 

اعتدنا أن نحتفل في رأس السنة الميلادية الجديدة، بالضبط عندما يعبر عقرب الثواني من العام المنصرم إلى الدقيقة الأولى من العام الجديد، وكأننا ننتقل من عالم إلى آخر، أو من واقع إلى آخر.

نتبادل التهاني ونتمنى شتى الأمنيات الجميلة، لنا ولشعبنا وللناس أجمعين.

جيِّد جدًا أن يتمسّك الناس بالأمل، لكن قبل أن نتمنّى الأمنيات، واجبنا أن ننظر إلى الخلف، ماذا مع العام الذي اقتطع اثني عشر شهرًا من الرصيد المقدر لعمر كل واحد منا؟ لماذا لا نحتفل في العام الذي نقصَ من أعمارنا المحدودة؟ لمَ لا نحتفل بذنبة العام المنسحب وبما أنجزناه فيه! لماذا لا نودّعه بالحبِّ والشُّكر والاعتزاز بما حققناه، فنقول شكرًا للعام الماضي، فقد حققنا فيه شيئًا من أحلامنا! لماذا بتنا نرى في كل عام منتهٍ بأنه أسوأ من سابقه ونودِّعه بالقدح والذّم!

وإذا كنا قد أخفقنا في تحقيق شيءٍ يستحق الاحتفاء به، فلماذا لا نطرح على أنفسنا السؤال، عن أسباب إخفاقنا بدلا من شتم العام وقدحه؟

الأهداف كثيرة لا تحصى، منها الشخصي لكل فرد منا، ومنها العام للشعب والأمة والبشرية.

هناك أسباب نستطيع صنعها بأيدينا أو تجاوزها، ولا علاقة للسَّنة وشهورها وساعاتها بنجاحنا أو فشلنا، الزّمن ليس مسؤولا عن كونك سعيدًا أو تعيسًا، فاشلا أو ناجحًا، أنت الذي تصنع مصيرك، مهما كانت الظروف قاهرة، الإنسان هو الذي يقرِّر نوع السَّنة القادمة التي سيعيشها ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة فوق قدرته وطاقته، والحقيقة أن حياتنا تسير بشكل روتيني، حتى أننا نعتاد الكسل.

نحن الذين نقرّر الجلوس في مقهى أربع ساعات لتدخين الأرجيلة، أو ست ساعات للعب الورق والضّامة، أو أن نقرأ في هذه الساعات كتابًا أو دراسة علمية أو رواية توسِّع مداركنا أو تعرّفنا بتاريخ شعبنا، وأمّتنا والعالم بمختلف ثقافاته، نحن الذين نقرِّر إذا ما كنا نريد الانشغال في أمور جدية ومصيرية لنا ولشعبنا أو الانشغال بسفائف الأمور.

أنت الذي تقرِّر أن تبقى صحافيًا يكرِّرُ الأخطاء الإملائية والقواعدية نفسها، أو أن تعمل على تحسين أدائك وتلافي أخطاءك.

كي تنجح في أي مجال، لا بد أن تجتهد، إذا كنت قد بدأت في مشروع ما ولم تنهه بعد، فلا بد أن تضاعف جهودك كي تنجح.

كي تقف في مثل هذا اليوم من ذنبة السَّنة القادمة، وتنظر وراءك وتقول لقد حققت شيئًا من أحلامي، يجب أن تعد لها طاقاتٍ وجهودًا، الأحلام بالجهد تصبح واقعًا، وتبتعد حتى تصبح أضغاثًا، ما لم نبذل الجهود الصادقة لتحقيقها.

هناك الكثير من العادات الشّخصية والاجتماعية التي تضايقنا وندرك أنها سيِّئة. أسوأ عاداتنا كأفراد وكمجتمع هو إهدار الوقت بلا طائل، نحرق ساعات بدون أي عمل مفيد أو جهد في سبيل المعرفة والعلم بالأمور، أو في أي عمل إنتاجي أو اجتماعي بنّاء، هو وقت يُقتطع من أعمارنا ويذهب هباء، والنتيجة لن تكون سوى الإحباط.

فلننظر إلى الناجحين في حياتهم، سنرى بكل وضوح أنهم كانوا مجتهدين أكثر من غيرهم، وفي الوقت الذي كنت تحرق وقتك في الفراغ كان هؤلاء يعملون ويجتهدون.

أحد الأمور الملفتة التي تخلط الحابل بالنابل، وتشكِّل ضبابًا يشوّش الرؤية، هو اختلاط المعايير والخِفّة في توزيع الألقاب الصارخة الخالية من المضمون، مثل شخصية العام الأدبية أو السياسية أو الإبداعية، التي تُمنح للعشرات من مختلف الجمعيات والنوادي وتحت مختلف المسميات، شهادات شكلية حتى الدكتوراة، بلا أي رصيد حقيقي، وهذا يسهم في دفع السَّطحية إلى المقدِّمة وسيطرتها على حياتنا لتصبح نموذجًا سيِّئًا يجري تقليده، بينما يُخدع فيه الناس العاديون من خارج الصورة ويعتبرونه تميُّزًا، وبدلا من بذل جهود للتميّز الحقيقي تُبذل الجهود للعلاقات التسويقية العامة، أكرّمك اليوم كي تكرِّمني غدًا.

إحدى الجمعيات منحت خمسة من أعضائها لقب الشخصية الإبداعية للعام 2021، رغم وجود تفاوت كبير بين إنجازات الخمسة.

ربما يكون صحيحًا أن أحد هذه الشخصيات أو أكثر من واحد منها مبدعٌ، ولكن عندما تُمنح التكريمات وشخصية العام بالجُملة وبدون رصيد حقيقي فالنتيجة تكون عكسية، وهي تعويم السَّطحية والتفاهة على حساب المضمون والجودة.

كي تكون سنتنا أفضل علينا أن نمتلك الشجاعة بأن ننظر إلى السنة المنصرمة، وندرس أخطاءنا التي يجب ألا نكرِّرها في كل مجالات الحياة، كي يكون القادم أفضل بالفعل وليس مجرد أمنيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى