التضييق على القدس كمركز جذب ديني وتجاري

جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة

لا يخفى على أحد أن إسرائيل تستهدف القدس الشرقية أكثر من أيّ مدينة أخرى في الارأضي المحتلة، وإسرائيل لم تخف ذلك، فقد قامت بضم المدينة للدولة العبرية من جانب واحد بقرار من الكنيست – البرلمان – الإسرائيلي في 28 حزيران 1967 أي بعد مرور أقل من ثلاثة اسابيع على احتلال المدينة، وصاحب ذلك هدم حارتي المغاربة والشرف بعد تشريد أهلها، وقامت ببناء حيّ استيطاني يهودي داخل أسوار المدينة المقدسة، وتواصلت الاإجراءات الإسرائيلية التهويدية في المدينة بشكل مستمر ومدروس ومخطط، فمن بناء المستوطنات التي تحيط بالمدينة، واسكانها بمستوطنين يهود يزيد عددهم حاليا عن ربع مليون شخص، يقطنون أكثر من ستين ألف وحدة سكنية، بعد أن كان عدد اليهود والبناء اليهودي في القدس الشرقية صفرا حتى حزيران 1967، إلى فرض القوانين الاسرائيلية، وإلى التضييق على المقدسيين الفلسطينيين لإجبارهم على الرحيل عن المدينة، وتمثل ذلك بالحدّ من البناء العربي الفلسطيني من خلال عدم إعطاء تراخيص بناء، وهدم الأبنية التي تقام بدون تراخيص، وتغريم أصحابها يمبالغ مابية كبيرة، والسلطات الاسرائيلية التي لا تنفك عن تصريحاتها بأنها اوقفت البناء الاستيطاني لمتطلبات التفاوض، كانت تضع استثناءا ينص على مواصلة البناء الاستيطاني لحل مشكلة الزيادة السكانية الطبيعية للمستوطنين، وإذا كان الشيء بالشيء يقاس فإن إسرائيل لم تراع قضية إسكان الزيادة الطبيعية للمقدسيين الفلسطينيين.

وإذا كانت عملية اقتلاع المقدسيين الفلسطينيين تتم من خلال إجراءات” قانونية ” وشروط تعجيزية تتعلق بإثبات مكان السكن داخل حدود البلدية، فإن البلدية لم تتوقف عن ذلك،بل تعدته الى قتل المدينة المقدسة كمركز جذب تجاري على الأقل، فمعروف أن القدس هي قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإغلاقها المتصاعد منذ أواخر اذار 1993 حتى وصل إلى الإغلاق والحصار المحكمين في أيامنا هذه، صعّب حركة التنقل ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، فزاد المسافة ما بين مدينة رام الله على سبيل المثال، وهي أقرب المدن إلى القدس من شمالها، إلى بيت لحم وهي أقرب المدن من جنوبها، زادها من حوالي ثلاثين كيلو متر إلى ما يزيد عن سبعين كيلو متر، جزء منها مثل طريق واد النار غير صالح لسير المركبات لشدة انحداره حسب المقاييس العالمية للشوارع، وحصار القدس حرمها من مئات آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يؤمّونها للصلاة في دور عبادتها، وللتسوق من أسواقها، بل حرمها أيضا من دخول مواطني قرى محيطة بالمدينة، وتتبع لها إداريا عبر التاريخ، حتى وقوع المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي في حزيران 1967، وهي القرى المعروفة بقرى محافظة القدس، والتي يتراوح بعدها عن قلب المدينة ما بين كيلومترين مثل أبو ديس والعيزرية والسواحرة الشرقية والزعيم وعناتا وحزما، وبين عشرة كيلو مترات مثل قرى شمال غرب القدس، ويزيد عدد سكان هذه القرى عن مائة وخمسين الف مواطن، كانوا يرتادون المدينة المقدسة بشكل شبه يومي للعمل والتعليم والعبادة والتسوق، او للعلاج في مستشفياتها، وعيادات اطبائها.

ونظرا لكثرة وارتفاع الضرائب المفروضة على المحال التجارية في القدس، ونتيجة لضعف أو انعدام المداخيل نتيجة الحصار المفروض على المدينة، فقد زاد عدد المحلات التجارية المغلقة داخل اسوار القدس عن الألف محل حسب إحصائيات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

ومع ذلك فإن البلدية الإسرائيلية لم تكتف بهذا، بل واصلت في قتل المدينة كمركز جذب تجاري وديني، وذلك من خلال سياسة “تنظيم” الشوارع التي تعيق التواجد الفلسطيني في المدينة، فمثلا قامت بعمل أرصفة مرتفعة تمنع وقوف السيارات على الرصيف أو قربه من محيط مقبرة باب الرحمة ومن كنيسة الجثمانية، مرورا بالشارع الموصل إلى المسجد الأقصى عند باب الأسباط، ومرورا بمتحف روكفلر وشارع سليمان ما بين بابي الأسباط والعامود، وحتى الباب الجديد وباب الخليل وباب النبي داود، أي يشمل كافة محيط سور القدس القديمة من الخارج، باستثناء المنطقة الواقعة ما بين باب المغاربة وباب النبي داود، حيث بقيت لسيارات المصلين اليهود الذين يرتادون الحائط الغربي للمسجد الاقصى-البراق- للصلاة، اضافة إلى موقف للسيارات لاستخدامهم داخل باب المغاربة، كما ان الوقوف في شوارع القدس التجارية الرئيسة مثل شارع صلاح الدين، والرشيد، والزهراء وغيرها ممنوع إلا بتذاكر مدفوعة الثمن للبلدية، وحتى مواقف الباصات العربية العمومية، والشوارع المسموح لها المرور فيها لا تخدمها، ولا تخدم راكبيها، فمثلا باصات جبل الزيتون والثوري وسلوان والمكبر، يسمح لها باستعمال موقف الباصات القديم في طريق سليمان، وعندما يخرج الباص محملا بالركاب من الموقف عليه ان يتجه غربا الى الدوار الواقع في مدخل حيّ المصرارة، ليلتف ويعود شرقا وسط ازدحام بشري، وازدحام مركبات، ليمضي اكثر من خمس دقائق على الأقل حتى يعود الى محاذاة المنطقة التي انطلق منها باتجاه قريته التي يخدمها.

وقد صاحب ذلك تأهيل الشوارع الرئيسة في قرى القدس الواقعة داخل حدود البلدية، والسماح بفتح المحلات التي تقدم الخدمات المختلفة للمواطنين، بحيث أصبحت هذه الشوارع أسواقا تجارية بديلة لأسواق المدينة، فكل هذه القرى فيها محلات البقالة والحلويات والمخابز، والحدادة والنجارة، ومواد البناء والنوفوتية، والمراكز والعيادات الطبية ، وغيرها …

وإجراءات ” تنظيم ” الشوارع لم يقتصر دورها على قتل الحياة التجارية في المدينة فقط، بل تعداها الى التقليل قدر الإمكان من رواد المدينة العرب، فمثلا المؤمنون الذين يرتادون الأماكن المقدسة لآداء الصلوات، يحتاجون إلى السير مئات الأمتار مشيا على الأقدام ومنهم الشيوخ العجزة الذين لا يقوون على ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى