مخصي في قصر الأمير

منجد صالح | فلسطين

كان أحمد شابا صغيرا يافعا، بالكاد خطّ شاربيه بأول شعرهما بعد شعر زغب الحواصل.

طويل القامة أسود الشعر أملس على أجعد قليلا، عيناه تميلان إلى لون الخضرة، من خضرة فصل الربيع الذي يعشقه، في جبال فلسطين المليئة بالحنّون والزنبق والأقحوان، وخاصة عندما “ينفجر” بضحكته المجلجلة المميّزة، عُرف بها بين أصدقائه وزملائه.

بعد بلوغه سن الرشد مع انهائه دراسته الثانوية وحصوله على شهادة التوجيهي العامة بتفوّق، سافر إلى العاصمة عمّان لإستصدار جواز سفر أردني، لعلّ وعسى “يذوب ثلجه ويبان مرجه”، عن أملٍ ينبلج أمامه، للإلتحاق بالجامعة في إحدى دول بلاد الفرنجة، حسب رغبته وتفضيله.

قصد عمّان شأنه شأن كافة مواطني الضفة الغربية حينذاك في أواسط السبعينيات، الذين لا يحملون جواز سفر آخر غير جواز السفر الأردني، الصادر عن المملكة الاردنية الهاشمية.

في صالة إنتظار الجوازت، جلست على المقعد الملاصق لمقعد أحمد، من على يساره، سيّدة عجوز، تبدو عليها أمارات الطيبة والبساطة، وتبدو “خصلة” بيضاء من شعرها الاشيب تُطلّ من فوق جبهتها حين إنحسار منديلها الأبيض الفلّاحي عن مقدمة رأسها.

بدأت العجوز، التي عرّفت عن نفسها بأنها “أم سالم” من مدينة طولكرم، تتحدّث معه بتحفّز.

أحمد كان يُجيبها بإقتضاب وببسمة شبه مصطنعة، وغالبا ما يُجيبها ب: “نعم أو لا”.

وفي وضعه هذا تذكّر قصة عن أحد البخلاء يُعلّم ابنه أسرار ودهاليز البخل والنتافة، فيقول له:

–  “بُني، إذا ما حضرت وليمة وسألك أحدهم فلا تُجب إلا بنعم أو لا. أفلا ترى أن كلمة نعم أو كلمة لا يمكن أن تضيّع عليك قضمة أو بلعة!!!”.

إبتسم حينها أحمد وشكر الله أن إقتضاب ردوده وأجوبته على المرأة “الجارة” مردّه ليس البخل ولكن عدم معرفته بها وعدم رغبته بالدخول في “سواليف” طارئة وجانبية ليس له فيها “لا ناقة ولا بعير”.

لكنّه أيضا، من باب اللياقة والتهذيب، وخاصة من بابٍ إنساني بحت، لم يصدّ الحاجة اللحوحة في رغبتها بفتح مكنونات “كنوزها الدفينة” الحبيسة الراغبة في الإنفجار كبركان طالت مدّة تسخينه.

وبالرغم من أجوبة أحمد المُقتضبة جدّا، اللأجوبة فعليّا وعمليّا، إلا أنّه يبدو أنّ أم سالم قد إستأنست  وإرتاحت في الحديث معه، ووجدت فيه ضالّتها.

لم يتسرّب إلى داخلها أي ملل، فبالنهاية من الواضح أن في أحشائها شحنة وتريد أن تُفرغها، “تفرقعها”، قمقم قديم تُريد أن تفتحه وربما تُفجّره في “حضرة  أحمد او في حضرة غيره” ليس إلا.

عدّلت من جلستها وإنحنت نحوه وقالت له:

–  أريد أن أحدّثك بشيء يؤرّقني ويُحيّرني.

وقبل أن تنتظر موافقة منه “إنطلقت” تحكي:

 “إبني سافر منذ عشرين عاما للعمل في السعوديّة. أخبرنا عبر الرسائل بأنّه يعمل في قصر أحد الشيوخ الأمراء. لم يرجع من يومها لزيارتنا، كان يُرسل لنا نقودا من وقت لآخر”.

“منذ سنوات ونحن نُلحّ عليه بضرورة الزواج، ونحن على استعداد لاختيار عروس له من “طينة بلادنا” وارسالها له.

لكنه كان يرفض بإستمرار.

وقد أصبح عمره خمسة وأربعين عاما وهو دائم الرفض للزواج.

علمنا مؤخّرا من أحد أقاربنا، الذي يعرفه في السعودية، بخبر صاعق ماحق:

“لقد أصبح ابننا “مخصيّا” منذ بداية عمله في قصر الأمير!!!”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى