الشاعران القس جوزيف إيليا وليلاس زرزور (وجها لوجه)

جريدة عالم الثقافة | خاص

الشاعر السوري السامق  المتفرد القس جوزيف إيليا من مواليد مدينة المالكيّة التّابعة لمحافظة الحسكة ١٩٦٤ كان رئيسًا للطّائفة الإنجيليّة فيها لمدّةٍ اقتربت من ربع قرنٍ حتّى نزوحه عنها بسبب مخاطر الحرب وتبعاتها  إلى ألمانيا حيث يقيم فيها حاليًّا يكتب الشِّعر العموديّ وقصيدة التّفعيلة وأناشيدَ للأطفال، وقد شارك في العديد من الأمسيات الشّعريّة وأجريت معه عدّة لقاءاتٍ تلفزيونيّةٍ وإذاعيّةٍ سوريّةٍ وعربيّةٍ وعبر مجلّاتٍ وجرائد عديدة، وتثبّت اسمه في أكثر من موسوعةٍ شعريّةٍ، وقد تمّ تكريمه من بعض المحافل الأدبيّة في سوريّة والوطن العربيّ والعالم وغنّى من شعره كثيرون من المطربين والمطربات على امتداد الوطن العربيّ، كما شارك بنصوصٍ له في دواوين مشتركة مع كبار الشّعراء والشّاعرات، ومن الجدير بالذكر .. أنه قد قام بصياغة مفاتيحَ جديدةٍ لبحور الشِّعر العربي ونظم قصائد على البحور الميتة المهملَة كما أنّه أنجز ألفيّةً بمواضيعَ اجتماعيّةٍ متنوّعةٍ؛ صدر له خمسَ مجموعاتٍ شعريّةٍ حتّى الآن، ويُنتظر صدورُ مؤلّفاته الشّعريّة الكاملة قريبًا ..

كان لنا معه هذا الحوار القيم الماتع ..

متى اكتشفت موهبتك الشِّعريّة، وهل كان للظروف التي عشتها دورها في ظهور هذه الموهبة

ومن كان له الفضل في اكتشاف موهبتك الشِّعريّة؟

اكتشفت عشقي للأدب عمومًا وللشِّعر خصوصًا في وقتٍ مبكّرٍ من حياتي ولعلّ اهتمام أحد إخوتي الأكبر منّي سنًّا بهما واقتنائه للكتب وقراءتي لها  كان له الأثر الكبير في توجّهي نحوهما فوجدت نفسي وأنا بعد فتًى صغيرٌ أحاول أن أكتب شيئًا فكتبت واستحسن من اطّلع على ما كتبت ما كتبته ممّا شجّعني كثيرًا فانطلقت أشدو بما كتبته علنًا في مناسباتٍ عديدةٍ وفي أماكنَ مختلفةٍ أهمّها صالة المركز الثّقافيّ في مدينتي المالكيّة التّابعة لمحافظة الحسكة حيث أحييت فيها وحيدًا أمسيةً شعريّةً حضرها المئات وأنا لم أتجاوز الثّانية عشرة من عمري

الشِّعر الحقيقيُّ هو انعكاسٌ لموهبةٍ ولكنّ ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداعٍ.. فما هي العوامل الّتي تسهم في تشكيل هذه التّجربة؟

نعم لا بدّ من امتلاك الموهبة وهي بلا ريبٍ مهمّةٌ جدًّا وبمثابة حجر الأساس الّذي يُبنى عليه غير أنّ هذا لا يكفي إذا يلزمه أشياء وعناصر أخرى كالقراءة المستمرّة للكبار من الشّعراء قديمًا وحديثًا وتعلّم النّحو والبلاغة وأوزان الشِّعر والبحث عن لغةٍ خاصّةٍ بمنأى عن تقليد أحدٍ وتناول مواضيع معاصرةٍ غير مسبوقةٍ ناهيك عن الإكثار من الكتابة فهذا يخصب القريحة ويمرّن القلم ويحفظ الذّهن من مخاطر اليبوسة والشّيخوخة.

كثيرٌ من الشّعراء لديهم الحظّ ولكن ليس لديهم المعجم الّلغوي  كيف تفسّر ذلك ؟

ربّما البعض من هؤلاء قد قُيّض لهم أن يحقّقوا شيئًا من الشّهرة والذّيوع والانتشار، ولكن من قال إنّ الشّهرة تخلق مبدعًا؟ فما أكثر الّذين عُرفوا وانتشرت أسماؤهم عن غير استحقاقٍ وجدارةٍ لأسبابٍ عديدةٍ لا تمتّ إلى الإبداع بصلةٍ أوصلتهم إلى وسائل الإعلام المختلفة المتنوّعة الّتي كانت سببًا في شهرتهم ولكن شهرتهم هذه فارغةٌ وهشّةٌ إن كانوا فقراء في إبداعهم والتّاريخ كعهدنا به لن يخذل المبدعين الحقيقيّين وسينصفهم ولن يبخس حقّهم في الخلود أمّا من ليس مبدعًا حقيقيًّا فسيُلقى هو وشهرته خارج حقل المجد ولن تشفع له شهرته المزيّفة.

ما رأيك بالحركة الأدبيّة حاليًّا خاصّةً بعد انتشار وسائل التّواصل الاجتماعيّ السّريعة؟

إنّها كسابقاتها عبر التّاريخ الطّويل لها إذ فيها ما هو ثمينٌ رائعٌ يُصفَّق له بحرارةٍ وفيها ما يُخجِل ولا يستحقّ أن يسير في ركابها ولنكن على ثقةٍ تامّةٍ بأنّه لا يمكن طمس معالم مدينةٍ موضوعةٍ على جبلٍ شامخٍ مرتفعٍ ولا بدّ للّذي عنده ما يستحقّ الالتفات والاهتمام من أن يُلتفت إليه ويُهتمّ به

هل يمكن القول: إنّ المعلّم هو الأساس لإطلاق أيّ موهبةٍ أدبيّةٍ، وهل يستطيع المعلّم أن يختصر على الموهوبين سنواتٍ طويلةً يحتاج إليها الموهوب لتطوير ذاته؟

لا يمكن إغفال دور المعلّم ها هنا ولكن على أهميّة دوره يظلّ دور المتعلِّم أكبر وأهمّ فباجتهاده الذّاتي وإصراره الدّؤوب وعشقه لما يتعلّمه سيتمكّن من تحريض موهبته وصقلها وتهذيبها.. فأنا مثلًا لم يعلّمني أحدٌ أصول الشِّعر ولا درست الأدب في الجامعة وكل ما تعلّمته فقد تعلّمته بجهدي الشّخصيّ من خلال الكتب المعنيّة بهذا المضمار واستطعت في وقتٍ قصيرٍ أن أسير في دروب الشِّعر كما ينبغي أن يسار فيه مع كلّ هذا أرجع لأقول : إنّ دور المعلّم مهمٌّ في إطلاق موهبة من يمتلك الموهبة الحقيقيّة أمّا من يفتقر إليها فلا أظنّ أنّ أمهر المعلّمين وأكفأهم بإمكانهم إيجاد ما ليس له وجودٌ.

ما رأيك بالنّقد؟

إن كان النّقد يتمتّع بالجدّيّة والمصداقيّة ووليد دراسةٍ جادّةٍ عميقةٍ للنّصّ المنقود بعيدًا عن الأهواء الشّخصيّة والاعتبارات غير الأدبيّة فهو نافعٌ للحركة الإبداعيّة وساندٌ لدعائمها ومطوِّرٌ  لها وأمّا إذا كان خلاف ذلك فهو هدّامٌ لبنيانها ورافعٌ لمن لا يستحقّ الرفع ومسوِّقٌ لبضاعةٍ فاسدةٍ لهذا على المشتغلين بعمليّة النّقد أن يكونوا مخلصين لرسالتهم وأمناء على دورهم في تنقيّة الأجواء الأدبيّة ممّا غزاها من أتربة الرّداءة والضّحالة وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه لينمو الجيّد من زرع الأدب ويختفي السّيء.

هل ترى أنّ الشِّعر العربيّ حاليًّا يمرّ بحالة تقهقرٍ؟

للأسف الشّديد نعم ولا سيّما بعد غياب الفطاحل من الشّعراء بالموت وتقاعس الإعلام بشتّى أنواعه والمهرجانات عن إبراز المجيدين في الشِّعر وفسح المجال واسعًا أمام أنصاف الشّعراء ليصولوا ويجولوا ملوّثين بدخان قصائدهم العرجاء فضاءاته ولكن هذا لا يعني أنّه قد انعدم وجود الشّعراء الحقيقيّين فثمّة الكثير منهم ولا بدّ أن تكون الغلبة لهم طال الوقت أم قصر

ألا تشعر بأنّ هناك تباينًا بين الشِّعر المعاصر والشِّعر القديم؟

من الضّروريّ جدًّا أن يكون هذا التّباين قائمًا بين الاثنين لاختلاف طبيعة العصور، والأذواق والأغراض الّتي يتمّ تناولها على ألّا يمسّ هذا جوهر الشِّعر ويشوّه جماله ويهدّ جدرانه بذريعة الحداثة والتّطوير.

ما نوع الشِّعر المفضّل لديك؟ وهل الشِّعر هو تعبيرٌ عن الإحساس ؟

مع أنّني غيورٌ على الشِّعر العموديّ وأكتبه بكثرةٍ وعلى جميع بحوره التّامة والمجزوءة وحتّى الميّتة منها إلّا أنّني أنحاز لقصيدة التّفعيلة وأنتشي بكتابتها أكثر وأراها الأجدر على إعطاء الشّاعر مساحاتٍ أوسع للتّعبير عمّا يريد قوله والأكفأ في نقل أحاسيسه ومشاعره للنّاس ومن هنا فإنّ الشِّعر إحساسٌ وشعورٌ قبل كونه فكْرًا ورصف كلماتٍ

هل الشِّعر صناعةٌ؟

إنّ الشِّعر فنٌّ كباقي الفنون الّتي تحتاج إلى صناعةٍ وتنقيحٍ وتصويبٍ وصحيحٌ أنّ القصيدة تولد وتخرج إلى الحياة كما هي على سجيّتها وعفويّتها ولكنّها بحاجةٍ بعد ولادتها  إلى تغسيلٍ وتعطيرٍ لتصبح أنقى وأجمل وأكثر نظافةً وقبولًا

ما رأيك بقصيدة النّثر الّتي تحرّرت من القافية والتّفعيلة والوزن وزاحمت القصيدة التقليديّة؟ وهل أنت مع تصنيفها تحت خانة الشِّعر؟

أعلنتها أكثر من مرّةٍ أنّني لست في عداءٍ مع هذا النّوع من الإبداع الأدبيّ غير أنّني مع ضرورة فصله عن الشِّعر والاستقلال به كنوعٍ متميّزٍ جميلٍ  من الكتابة ولنا في جبران العظيم المثال والقدوة في هذا  فلا أحد يختلف على براعة نثره الّذي ما كان يخلو من روح الشّعر ولكن لم يقل عنه إنّه شِعرٌ، وحينما أحبّ أن يكتب الشِّعر كتبه حسب أصوله المرعيّة ملتزمًا بالوزن والقافية وأصدر ديوانه الصّغير المواكب المتضمّن قصيدةً طويلةً نظمها على بحرين من بحور الشِّعر هما البسيط ومجزوء الرّمل

كيف ترى الوطن في شِعرك؟

لقد كتبت العشرات من القصائد عن الوطن وفيها بيّنت جماله وروعته وحنيني إليه بعد اضطراري عن الرّحيل مكرهًا ومازلت أقول : إنّ خسارة الوطن فادحةً كاسرةٌ للظَّهر ولا تعادلها خسارةٌ مهما عظم حجمها وفي إحدى قصائدي أظهرت شوقي للرّجوع إليه ولو ميّتًا فقلت:

أنا الغريبُ وموتي ها هنا وجعي

ربّاهُ  إنّي أريدُ الموتَ في وطني

ماهي العوامل الّتي أدّت إلى الحدّ من انتشار الكتاب الورقيّ في عالمنا العربيّ ؟ وهل تعتقد بأنّ وسائل الاتّصال الحديثة الّتي سهّلت الحصول على النّسخ المجانية واحدةٌ من هذه العوامل؟

لعلّ من أهمّ العوامل وأكثرها فاعليّةً في هذا البلاء هو أنّنا من أقلّ أمم الأرض قراءةً وميلًا إلى الكتاب وأكثرها جنوحًا إلى الصّورة الّذي زاد وتعاظم بعد انتشار وسائل التّواصل الحديثة بأشكالها المتنوّعة.

كيف تنظر للمرأة في شِعرك وكيف تجد المرأة كشاعرةٍ ؟

أنظر إليها كما يجب أن يُنظر إليها ككائنٍ عظيمٍ لها الدّور الأكبر في جعل الحياة حياةً وفي رسم عالمٍ لا يهيمن عليه القبح ولا يغزوه ما يجعله يبابًا فهي الأمّ والأخت والزوجة والابنة والعاملة جنبًا إلى جنبٍ مع شريكها الرّجل للحفاظ على الوجود وقد أظهرت في شِعري عنها عظمتها الّتي حاول أعداء الحياة إخفاءها فخاطبتها في إحدى قصائدي قائلًا:

إنّكِ   الأسمى  فقومي

أخصبي   للكونِ    بُورَهْ

أنا     أنثى    أنشديها

وبها     كوني   فخورهْ

واصرخي   قائلةً :   لا

لردًى      رشَّ    بذورَهْ

ولمن    فوق  ضلوعي

شاءَ أنْ يرميْ صخورَهْ

وسأحيا   في   انتصارٍ

كهفَ موتي لن  أزورَهْ

والمرأة كما برعت في أشياء كثيرةٍ وميادين عديدةٍ فقد برعت في مجال الشِّعر أيضًا وصوتها فيه كان واضحًا عاليًا والأسماء قديمًا وحديثًا هي أكثر بكثيرٍ من أن تُحصى وتُعدّ هنا

هل توافق على مقولة أنّ إصدار الدّواوين هو إثباتٌ للذّات أوّلًا وأخيرًا؟

هو بالإضافة إلى هذا نوعٌ من الحفظ لشِعر الشّاعر خوفًا عليه من التبدّد والضّياع بعد تبعثر إنتاجه هنا وهناك في مواقع الكترونيّةٍ مختلفةٍ عديدةٍ وابتعاد الكثيرين عن اقتناء الكتاب الورقيّ

ما سرّ نجاح الشّاعر؟

صدقه وإحساسه المرهف العالي، وعبارته السّليمة وأسلوبه الخاصّ به وصوره الجديدة المبتَكرة وابتعاده عن الّلغة القاموسيّة المتخشّبة  وخطابه المعاصر بعيدًا عن الماضويّة وفكره المتجدّد والمجدِّد وموسيقاه الواضحة فيما يقوله.

لمن تودع أسرارك وأراءك الشّخصيّة؟

لمن أتوسّم فيه الأمانة والإخلاص وأجد لديه ما يكفي من النّباهة والتّفهّم والاستيعاب والودّ

لو جلست وتساءلت حول ما أنجزته فماذا تقول؟

سأقول: لقد حاولت على قدر طاقتي وإمكانيّاتي أن أزرع بعض  الأزهار والورود في حقل الشِّعر الواسع متمنيًّا أن تنمو وتينع ويفوح عطرها يومًا والحكم على مدى جمالها ورونقها متروكٌ للنّاظرين إليها وللتّاريخ، وإن كنت لم أقل بعد كلّ ما أريد قوله فإنّي لأطمح إلى قوله مستقبَلًا وبصورةٍ أتمنّاها أفضل وأجود

ماهي كلمتك لجيل اليوم؟

إنّني أدعوه للكتاب وإلى أن يقرأ أكثر ممّا يكتب ولا سيّما لكبار الشعراء وعظمائهم وأن يجتهد ويثابر على العطاء وألّا تطربه وتخدعه عبارات المديح من هنا وهناك فيظنّ أنّه قد وصل وأكمل الطّريق إنّ الشّاعر الحقيقيّ هو الّذي يرى أنّ الطّريق للوصول طويلٌ بعيدٌ شاقٌّ يلزمه الكثير من التّعب والجهد والعرق والمران

كلمة تحب توجيهها إلى القرّاء

لقد سعدت جدًّا بقراءتكم لما جاء في ثنايا هذا الحوار راجيًا ألّا أكون قد أثقلت عليكم ومتمنّيًا أن تكونوا قد خرجتم منه بما فيه النّفع والفائدة والمتعة، كما أنّه لن يفوتني أن أشكر لحضرتك هذه الاستضافة الكريمة مع دعائي لهذا المنبر بالتألّق والازدهار والفوز حاضرًا وآتيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى