سطور في استذكار مظفر النواب شابا

جعفر سليمان بامرني
وقف القطار النازل من الموصل صباحا أمام المحطة العالمية في بغداد بتاريخ 15/3/1961 ونحن الموقوفون الخمسه نزلنا منه وهم: كاتب السطور والمرحوم عبد الله خالد مدير مدرستنا في بامرني ومصطفى الحاج موزع البريد في بامرني أيضا وطيماطيوس برخو مختار قرية (دهي) ومحمد الحاج خالد آميدي رجل الأعمال المعروف.
ونحن محاطون بالشرطه ولا نستطيع أن نسال أين وجهتنا، مثل الغنم الأبيض يساق إلى القصاب ولا يستطيع أن يفلت أو يمتنع .
قادونا إلى مركز شرطة السراي في بغداد، فكان الدور والتسليم.. استلموا أوراقنا وذهبوا شرطة الموصل وبقينا أمام غرفة مركز السراي؛ فقال لنا العريف.. هناك موقفين أحدهما للأشراف والنبلاء والمحترمين والبعثيين، وعندما يتكلم العريف أرى أمامنا ممرا وغرفا نظيفة وهناك من يتجول في الممر .
واستطرد العريف قائلا: وهناك موقف للمجرمين و السراق والقتلة و المنحرفين والشيوعيين.. فأيهما تفضلون؟ فقال له مديرنا عبد الله خالد نريد مع المجرمين.. فقال العريف بصوت عال خذوهم شيوعيون سفلة أنذال وأمامنا ببضع خطوات باب حديدي كبير . فتحوا بابا صغيرا في وسطه وأدخلونا إلى الموقف.. وهناك فسحة صغيرة أمام القاعه.. فلما دخلناها ورأيناها مكتظة بالموقوفين، وفيها غرفه صغيرة نظرنا فيها وإذا الشهيد الأستاذ صالح اليوسفي – رحمه الله – داخلها ومعه شخص آخر اسمه شاخوان
وكم كان فرحنا أن نلتقي.. وقد كان المرحوم اليوسفي محجوزا فيها مدة غير محدوده .. انسجمنا بالأحاديث والوضع الخاص والعام . وخرجت من الغرفة برهة لأنها لا تتحمل عددا كبيرا، ونظرت إلى الموقوفين فرأيت شابا رشيقا حركا متفائلا أريحيا، يحمل دفترا للرسم ويجلس بجانب موقوف نائم ليرسم ملامح وجهه أو قدمه أو يديه. وبما أني من هواة الرسم فراق لي المشهد، وانسجمت وجلست معه أنظر إليه كيف يرسم بقلم الرصاص فقط.. ولم أكن أعرف من هذا؟ وتبين بعد ذلك إنه الشاعر الشعبي المعروف (مظفر النواب) أطال الله في عمره، والذي له عدة هوايات منها: الشعر والرسم والموسيقى وإنه يمتلك ثقافه عالية وطبعا ثوريا وروحا رياضية .
وكنت كلما تتاح الفرصه اللازمه حينما كان يرسم أجلس معه، وانسجمت معه كثيرا فكان نعم الصديق، وبعد مضي أسبوع من توقيفنا، سافرنا إلى الجنوب؛ المرحوم عبد الله خالد ومصطفى الحاج غلى الديوانية ومصطفى إلى السماوة وعبد الله إلي عفك، ونحن إلى الناصرية وانا توجهت بعدها إلى سوق الشيوخ، وذهب ومحمد خالد إلى الرفاعي وطيماطيوس إلى قلعة سكر .
وكنت أسمع كل المثقفين يقرأون أشعار الشاعر مظفر النواب حفظا إلى أن ألقي القبض علي سنة 1963 وكان الموقوفون معي كلهم يقرأون أشعاره حفظا… وخاصة الريل وحمد . .(وكلكم سمعتم بالأغنيه حينما يقول.. مرينا بكم حمد واحنا بقطار الليل سمعنا دگ گهوه وشمينا ريحة هيل )
وكان مظفر النواب محكوما عليه بالإعدام في سجن الحلة وحفر الشيوعيون نفقا من داخل السجن إلى الخارج وهرب بعضهم ومنهم شاعرنا مظفر النواب.
ومن الأغاني المشهورة من شعره: (ليل البنفسج وياريحانه) . وغيرها .وكنت لا أفهمها جيدا فكانوا يشرحون لي فتلذذت جدا بها وخاصة الشعبيه، ويعتبر مظفر النواب أشهر شاعر عراقي معاصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى