قراءة تربوية.. في التوجيه السامي للقاء جلالة السلطان

شيخة الفجرية

الإنسان، محور الدراسات الأنثروبولوجية، التي درست الظواهر البائنة فيسلوكه، أوتلك المحيطة به والمؤثرة به، وهذا الإنسان الذي تصفه كل الأدبيات بأنه محور التنمية وأساسها، فإنه كذلك في الفكر والأدبيات العُمانية، منذ عهد النهضة وحتى عهد النهضة المتجددة، وعليه ارتكزت رؤية عُمان 2040 التي نبتت على يدي جلالة السلطان قابوس – طيَّب الله ثراه – وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أعزّه الله – الذي قال: إنَّ “بناء الأوطان هو من بناء الشباب”، كما تقول الحكمة:” بادروا بتعليم الأطفال قبل تراكم الأشغال، وإن كان الكبير أوقد عقلا، فانه أشغل قلبا”، وعليه فقد كان الإنسان العماني في تفكير عقل  قائده، جلالة السلطان المفدى، الذي نبَّه تنبيه الأب القائد الذي يعمل جاهدًا على النصح من أجلصلاح الأبناء؛ فوجَّه ببصيرة الأب المثقف والحكيمقائلًا:”تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل، تربية الأبناء هي جزء من أصل المجتمع العماني، عندما يتشرّب أبناءنا بعاداتنا وتقاليدنا، والتمسك بالأسرة والمجتمع هي سبيل نجاح المجتمع”،ثم شدَّد جلالة السلطان في التعاطي مع التقنيات بطريقة إيجابية؛ فقال: “التقنية أصلها لخدمة البشرية، ولكن مع الأسف! استغلت بطريقة سلبية جدا أثرت على النشء، ليس في بلدنا بل بكل أنحاء العالم”.

وقد عرَّف الخبير المعلوماتي الدكتور نبيل علي ظاهرة الانترنت، الذي يحتضن شبكات التواصل، على أنها :  “تلك الغابة الكثيفة من مراكز تبادل المعلومات”[1]،وتعد هذه الشبكات حسب الدكتور نبيل علي:” نافذة الإنسان، يواجه من خلالها العالم على اتساعه بحيويته المتدفقة وديناميته الهادرة، وإشكالياته المتجددة المتشابكة والمتراكمة، إن شبكة الشبكات هذه تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان وعالمه، بين الفرد ومجتمعه، بين ثقافة المجتمع وثقافات غيره)[2]، والتنبيه الذي تفضل به جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم-أعزّه الله-، جاء من علم المثقف، ثم من حرص  الأب،فمنذ تولي حضرة صاحب جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في 11 يناير 2020، حرص على المظاهر التربوية في خطابه للشعب العُماني، ولا يمكننا نسيان خطابه السامي المؤثر في مجلس عُمان بعد أداء القسم، ذلك الخطاب المضمَّخ بالمعاني والدلالات والأخلاقيات والقيم ما لايمكن حصره في مقال. وعليه، فلأن كان حديثه أمام جمعٌ من شيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى، عن شبكات التواصل إضاءة تربوية، فإن سعيه الحميد نحو الحوار مع مكونات الشعب إضاءة تربوية أخرى لا تقل أهمية في فكر جلالته أعزّه الله -؛ الذي أكَّد ذلك بقوله: “نظرًا لأن الوضع أصبح يتطلب تبادل الآراء، وأن تسمعوا منِّا وأن نسمع منكم، ولتعرفوا ما هي خططنا الحكومية، وبالتالي لقاؤنا اليوم إنشاء الله يكون مثمرًا، وسنتكلم في بعض الأمور”. ولأن في بداية هذا الحوار تحدث جلالته – أعزّه الله – عن المشاريع، فقال: “نرى أنه آن الأوان أن تُعزز هذه المشاريع لما لها من دور مهم في الحركة الاقتصادية في البلاد”،ومضى جلالته- أعزَّه الله- قائلًا: “لدينا توجهات وخطط ربما سنعجِّل بها هذاالعام، إذاكانت الحالة الاقتصادية ستستمر بنفس الوتيرة بطريقة إيجابية”. وتطرَّق جلالته – في كلمته السامية لشيوخ محافظتي الداخلية والوسطى- إلى الدور الجديد الذي سيلعبه المحافظون والمجالس البلدية في محافظات السلطنة، وانعكاس ذلك مستقبلًا في مسيرة التنمية، فقال- أعزَّه الله-: “ماضون في هذا التوجّه؛ حيث آن الأوان لأن لاتكون هناك مركزية في اتخاذ القرارات المجتمعية، وقد أصبح دور المحافظين مهما جدًا، وكذلك دور المجالس البلدية مهم جدًا، وعلى الجميع التفاعل… كل محافظ.. كل مجلس بلدي.. كل المشايخ في كل محافظة”. وشدَّد جلالته – أعزَّه الله – قائلًا: “ربما يكون هذ االتوجه جديد علينا في اتخاذ القرار في الحكومة، لكن من الضروري أن يكون للمحافظين دور في تنمية المحافظات”؛ ولأن السلطنة تتبنى مقولة “الإنسان شريك في التنمية”، فإن تفصيل ذلك جاء في خطاب مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أعزَّه الله -، إذ قال: “إن بناء الأمم وتطورها مسؤولية عامة يلتزم بها الجميع، ولايستثنى أحد من القيام بدوره فيها، كل في مجاله وبقدر استطاعته، فقد تأسست عمان وترسخ وجودها الحضاري بتضحيات أبنائها، وبذلهم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على عزتها ومنعتها، وإخلاصهم لأداء واجباتهم الوطنية، وإعلائهم لمصالح الوطن على المصالح الشخصية، وهذا ماعقدنا العزم على إرسائه وصونه حتى نصل للتطور الذي نسعى إليه والازدهار الذي نسهر على تحقيقه، والنزاهة التي لابد أن تسود كافة قطاعات العمل وأن تكون أساسا ثابتا راسخا لكل ما نقوم به”.

وعلى إثر ذلك، نظَّم النادي الثقافي بمقره في القرم جلسة حوارية بعنوان: قراءة تربوية في التوجيه السامي للقاء حضرة صاحب الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم/ حفظه الله ورعاه/ بشيوخ ورشداء محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ العامر، وأدارت الجلسة الحوارية المذيعة جيهان اللمكي، وتحدث فيها  الدكتورسليمان بن محمد المحروقي عن العادات والتقاليد من منظور إسلامي قيمي وأخلاقي، وعن كيفية “فلترة” استعمال وسائل التواصل، فالتحدي المنوط علينا، والثقافة التي لابد من نشرها للمجتمع “كيف يتم استخدام هذه الوسائل والتقنيات الاستخدام الأمثل، لأنها أمر واقع لا مفر منه، لأن الفوائد منها حاصلة وموجودة،ومثل ما أن الإيجابيات موجودة في المقابل فإن التحديات كثيرة جدًا”، وأسهب في ضرورة تفعيل العلاقة الحوارية بين الأب وأبناءه ضاربًا المثل بعدة نماذج من الآباء الذي أهملوا أبنائهم وتسببوا في أن يكونوا عرضة للضياع. فيما تناول هلال بن سالم الصوافي موضوع تربية الأبناء في ظل التقنية الحديثة بالقول: “هذه التوجيهات، عندما نتأمل فيها، نجد هناك تسلسل في طرح القضية، أكثر عمقًا من المنظور السطحي، وصاحب الجلالة ذكر في البداية دور الأسرة، وذكر بعدها العادات والتقاليد ودور المجتمع، ثم انتقل بعد ذلك إلى الجانب الإعلامي أو وسائل التواصل، وهذا التنقل يعطي دروس في مسألة بناء الأفكار في الملتقيات والبرامج بشكل عام. ثم بعد ذلك، الكلمة التي ذكرها صاحب الجلالة بقوله: “استغلّت”، بمعنى أنه في حقيقة الأمر أن وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام لم تكن في بدايتها سلبية، وإنما طريقة استخدام الأبناء والأسر والمستخدمين لهذه التقنية، هو من جعل الأمر نوعًاما “استغلال سلبي”، ولكنها هي في الحقيقة، وجدت لإحداث انفجار معرفي كبير جدًا، المحور الأول الذي ذكره صاحب الجلالة “قضية الأسر”، ودور الأسرة ودور العادات والتقاليد وغيرها يعطي ثقلًا كبيرًا جدًا لدور الأسرة ثم يأتي فقط محور التقنية والتعامل مع التقنية كأحد محاور المنظومة التربوية بشكل عام” وقال: “أنا أقسّم الحلول إلى قسمين أساسيين: القسم الأول أسميتها: “حلول تربوية”، الحوار الذي تكلمنا عنه جميعًا،  والجلسات الحوارية، والجلسات الحميمية، بالتالي لابد أن نرفع معدل الجلسات الحوارية التي يستطيع الأب أن يتكلم فيها مع ابنه، والكثير من المربين عندما جلسوا مع أبناءهم جلسات حوارية شفافة اكتشفوا أشياء غريبة جدًا، فالجلوس والحوار مع الأبناء يأخذنا إلى مسألة مهمة، وهي  الاستعانة بالآباء في الحوار  والحديث”.

ولا شك أن القراءةالتربويةالتي تلمسها الشعب العماني في خطاب جلالة السلطان، والتي تناولها وتداولها على الفور في وسائل التواصل الاجتماعي، عكست اهتمام السلطان هيثم بن طارق المعظم -أعزّه الله-بضرورة التواصل والتوجيه،كما دلَّلت على التجاوب الإيجابي الذي لاشك أنه سيفضي إلى ضرورة النحو إلى المنحى الإيجابي في التعاطي مع التكنولوجيا الحديثة بكافة أشكالها ووسائلها،واهتمامات السلطان بالإنسان العماني لها دلالات يترجمها جلالته من خلال خطاباته السامية الكريمة، ومن خلال القرارات والمراسيم والتوجيهات والأوامر السلطانية السامية؛التي تعزز من رفاهية الشعب وأمنه وأمانه في ظلِّ قيادة قائد النهضة المتجددة.

عاشت عُمان، وعاش سلطانها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أعزّه الله -.

^^^

المراجع

[1]-الثقافةالعربيةوعصرالمعلومات،دنبيلعلي،كتابالمعرفة –الكويتط2001، ص92-93.

[2]-الثقافةالعربيةوعصرالمعلومات،دنبيلعلي،كتابالمعرفة –الكويتط2001، ص94

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى