الروائي المصري خليل الجيزاوي، والباحثة علياء علي عبد الوهاب (وجهًا لوجه)

خاص | جريدة عالم الثقافة

خليل الجيزاوي: أردّدُ مع نجيب محفوظ: الرواية أصبحت شعر الدنيا الحديث

ظهرت موهبته الأدبية منذ الصغر وأخذت تكبر معه يومًا بعد يومٍ، حيث بدأ الكتابة منذ أكثر من أربعين عامًا،  كتب الشعر والرواية وهو في المرحلة الثانوية، ثم كتب القصة القصيرة والرواية في الجامعة بناءً على نصيحة أستاذه الناقد الدكتور عبد القادر القط الذي كان يُدّرس له بالسنة الثانية في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1982/ 1983، ونشرت له أول قصة قصيرة في مجلة إبداع عام 1983، وكان رئيس تحريرها الدكتور عبد القادر القط، كتب أول مخطوط رواية في أجندة كبيرة وهو بالصف الثاني الثانوي عام 1979، بعنوان: مخالب القدر، لكن الأجندة ضاعت مع كثرة التنقل والسكن كطالب جامعي في القاهرة، أصدر حتى الآن ثماني روايات: يوميات مدرس البنات، مكتبة مدبولي 2000، أحلام العايشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003، الألاضيش، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2004، مواقيت الصمت، الدار العربية ناشرون بيروت 2007، سيرة بني صالح، دائرة الثقافة بالشارقة 2015، أيام بغداد، دار المعارف للنشر 2020، خالتي بهية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، يوليو 2021، البومة السوداء، دائرة الثقافة بالشارقة، سبتمبر عام 2021، وأصدر ثلاث مجموعات قصصية: نشيد الخلاص، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2001، أولاد الأفاعي، الكتاب الفضي نادي القصة بالقاهرة 2004، حبل الوداد، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010، وأصدر كتابين في الدراسات النقدية: مسرح المواجهة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2004، يوسف الشارونى.. عمر من ورق، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009، خليل الجيزاوي ولد في السادس عشر من شهر سبتمبر عام 1961 بقرية العايشة مركز زفتى محافظة الغربية، ويقيم بالقاهرة منذ عام 1980، حصل على درجة الليسانس كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس عام 1985، عضو مجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كُتَّاب مصر، ورئيس لجنة النشر باتحاد كُتَّاب مصر من مارس 2013 حتى الآن، رئيس تحرير مجلة الكاتب المصري التي تصدر عن النقابة العامة لاتحاد كُتَّاب مصر بالقاهرة من 2018 وحتى الآن، عضو مجلس إدارة نادي القصة بالقاهرة، عمل بوزارة التربية والتعليم من عام 1987 وحتى عام 2000، عمل أخصائي نشر بالمجلس الأعلى للثقافة من عام 2000 إلى عام 2010، حتى صدر قرار وزير الثقافة دكتور شاكر عبد الحميد بتعيينه مُديرًا عامًا للشؤون الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2011، ثم صدر قرار دكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بتعيينه وكيل وزارة الثقافة.. رئيس الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات والجوائز بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2013، يعمل بالصحافة الأدبية منذ عام 1995 وحتى الآن، عمل مُراسلاً صحفيًا مُتعاونًا لمجلة الرافد الشارقة من عام 2000 وحتى عام 2020، وعمل مُراسلاً صحفيًا مُعتمدًا لمجلة دبي الثقافية بالقاهرة من عام 2005 وحتى 2008، وعمل سكرتيرًا لتحرير مجلة الجسرة، الدوحة قطر من القاهرة عامي 2007 و2008، ويعمل حاليًا مُراسلًا صحفيًا لمجلة الشارقة الثقافية من القاهرة، حول تجربته الروائية كان هذا الحوار؛ لنقتربَ من عالمه الروائي، ونتعرف أكثر على روافد موهبته الإبداعية:

أخصب سنوات عمري مع جدتي

في البداية ما العوامل التي شكّلت شخصية الروائي خليل الجيزاوي خلال مراحل التكوين الأولي؟!

ــ العامل الأول:

الذي شكّل شخصية الروائي داخلي هي السنوات الخصبة التي عشتها مع بداية سنوات الوعي في بيت جدتي عن أمي رحمهما الله، فقد انتقلت لأعيش مع جدتي وعمري خمس سنوات وماتت وأنا في نهاية دراسة المرحلة الابتدائية وكان عمري اثني عشر عامًا، أي عشت مع جدتي سبع سنوات، كانت أخصب سنوات عمري، وكانت جدتي حكاءة عظيمة، ولم يكن التلفزيون قد ظهر في بيتنا خلال هذه السنوات، كل ليلة كُنّا نقعد أنا وجدتي حول راكية النار من بعد صلاة المغرب حتى نص الليل؛ لتسردَ جدتي حكايات ومغامرات جدي رحمه الله مع الجن والعفاريت بطريقة جذابة مدهشة، تحكي كيف ركب جَدّي فوق ظهر الجنّي الذي تمثل له حمارًا أسود من تحت شجرة الكافور ذات ليلة ممطرة، وركبه مسافة ثلاثة كيلو متر من عزبة بني صالح حتى قريتنا التي تتبعها العزبة؛ ليشتري شاي وسكر وسجاير فلوريدا وحلاوة نبوت الغفير لجدتي، وعاد الجني من الرحلة التي تساوي ستة كيلو متر، قطعها الجني مع جَدّي في أقل من خمس دقائق، هذا هو الجو الذي عشته مع جدتي طوال سبع سنوات.

العامل الثاني:

سماع الراديو خاصة في ليال رمضان التي يكثر فيها سماع التمثيليات، لكني تعلقت أكثر بحكايات ألف ليلة وليلة التي تسرد أحداثها الفنانة زوزو نبيل، ورحت أتخيل أحداثها وأنا مغمض العينين فوق سرير جَدّي، واندهشت وجدتي تقول: إن هذه التمثيلية عمرها عشر سنوات، فسألتها: تمثيلية ألف ليلة وليلة تذاع بالإذاعة من عشر سنوات: فقالت جملة أضافت لي الكثير: وهل الحكايات يا ولدي تنتهي؟! الحياة كلها تقوم على الحكايات!

العامل الثالث:

حضوري مع والدي الموالد الشعبية في قريتنا والقرى المجاورة، والحرص كل عام على حضور مولد السيد البدوي، وفي الموالد الشعبية كان المنشد يسرد القصص الشعبية التي تجذب الحاضرين مع موسيقى مصاحبة التي تجسم سير الأحداث وتسمع صوت المنشد يتلون صعودًا وهبوطًا مع سير الأحداث، وكنت أسمع الكثير من شباب ورجال القرية يعيدون بسعادة سرد أحداث القصة التي سمعوها في المولد الشعبي، حتى حضور مولد آخر.

الإرهاصات الأولى للكتابة

كيف كانت بدايات الدخول إلى عالم القص وخاصة الرواية؟

ــ بدأت عالم الكتابة الأدبية من باب كتابة موضوعات التعبير التي لفتت نظر مدرس اللغة العربية في السنة السادسة من دراستي الابتدائية، بعد قراءة رواية ابن النيل للأديبة جاذبية صدقي وكانت مقررة علينا بالصف السادس الابتدائي، بعد قراءة رواية الأيام وهي السيرة الذاتية للدكتور طه حسين، شجعني مدرس اللغة العربية بالمدرسة الإعدادية أن أقتفي خطوات الدكتور طه حسين وأدرس في كلية الآداب جامعة القاهرة، وفي مكتبة مدرسة كشك الثانوية قرأت الكثير من الروايات منها: اللص والكلاب نجيب محفوظ، الشوارع الخلفية للأديب عبد الرحمن الشرقاوي، العنكبوت للدكتور مصطفى محمود، وبدأت بكتابة قصائد الشعر وحققت بعض الجوائز في المسابقات الأدبية على مستوى مدارس المركز وعلى مستوى المحافظة، وبعد نهاية امتحان الصف الثاني الثانوي اشتريت أجندة كبيرة وكتبت رواية بعنوان: مخالب القدر، وأعطيتها لمدرس اللغة العربية الذي أعجب بها كثيرًا، وظللت مُحتفظًا بهذه الأجندة عدة سنوات، حتى فقدتها مع كثرة التنقل والسكن أثناء الدراسة بالجامعة في أحياء القاهرة. 

 للمكان عشق كبير عندي

كيف أمكنك المواءمة ما بين تحولات الروح الإنسانية وتقلباتها وبين المكان في رواياتك وخاصة أحلام العايشة والسيدة زينب ورواية مواقيت الصمت وهيمنة مفردات تلك الأماكن علي الروايات؟

ــ المكان له عشق كبير عندي، وأنا مرتبط بالمكان كثيرًا، ومثلما أختار نوع الأكل أختار المكان الذي أسكن فيه، هل تعرف مثلا عزيزي القارئ أنني ظللت أبحث عن مكان لأسكن فيه بالقرب من نهر النيل بجزيرة منيل الروضة أكثر من ثلاث سنوات؟ حتى وجدت مكان أرضى عنه، المكان ليس طوب وحجارة، المكان عندي حياة دافئة وناس طيبين، كتبت رواية أحلام العايشة وفاءً وتقديرًا لواحد من شهداء حرب أكتوبر من أهل قريتي العايشة عاني كثيرًا بعد نكسة يونيه 1967، وظلّ يقاوم حالة التخبط واليأس حتى انتصر ثم استشهد في حرب أكتوبر عام 1973، وكتبت رواية مواقيت الصمت وفاءً للمكان الذي عشت فيه عشر سنوات من عمري في شارع الناصرية بحي السيدة زينب، وسردت حالة العشق الروحاني لبطل الرواية الذي رفض أن ينتقل مع زوجته للسكن في مصر الجديدة وآثر أن يظل وفيًا للمكان الذي وجد نفسه فيه، بالقرب من مسجد السيدة زينب، هذا الجو الروحاني أعشقه كثيرًا بحكم تربيتي قريبًا من مدينة طنطا ومولد السيد البدوي، ومحبة الموالد الدينية التي تُشكّل جزءًا كبيرًا من عشقي للمكان.

الأيدي البيضاء ومشروعي الروائي

مَنْ الشخص الذي قدّم الدعم للروائي خليل الجيزاوي في بداية مشواره الروائي؟!

ــ بل عدة أشخاص قدموا دعمًا كبيرًا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسب الترتيب الزمني الأول: أستاذي الناقد الدكتور عبد القادر القط الذي لفت نظري مُبكرًا وأنا أدرس بالسنة الثانية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1982 عندما ألقيت قصيدة شعر في مدرج الآداب أمام أكثر من خمسمائة طالب وطالبة والعديد من أساتذة الكلية أن قصيدتي قصة قصيرة، واقترح عليَّ أن أكتب القصة القصيرة، الثاني: الكاتب الرائد يحيى حقي الذي قابلته مصادفة عام 1983 وهو يسير بجانب سور حديقة الميرلاند بروكسي مصر الجديدة، وفي حديث قصير عرفت منه الفروق الفردية بين القصة القصيرة والرواية، الثالث والرابع: الدكتور سيد البحراوي والدكتور مدحت الجيار المشرفان على النشاط الثقافي بآتيليه القاهرة خلال الفترة من 1985 وحتى 1990 حيث ناقشا أولى كتاباتي القصصية والروائية، الخامس: الكاتب إبراهيم أصلان الذي عرفني أهمية التكثيف في الكتابة عندما سألته عن سبب قلة كتابته فأجاب: الكتابة بالنسبة لي مثل الدواء، فيه دواء تتناوله بالملعقة، ودواء آخر بالقطرة، الكتابة عندي مثل دواء العين بالقطرة، القليل منه يشفيك، والكثير يضرك أو يعميك، السادس: الأديب عبد الحكيم قاسم الذي قابلته في أتيلييه القاهرة بعد إعجابي الشديد بقراءة روايته: أيام الإنسان السبعة، جلس وقرأ معي قصة قصيرة لي بصوت عال حتى أتعرف منه كيف تصاغ الجملة السردية، والسابع والأخير: نجيب محفوظ الذي قابلته وتعلمت منه التخطيط الجيد قبل كتابة الرواية وأخبرني أنه يبدأ الكتابة من أية نقطة يراها: حتى إذا رأى أنه دخل في الموضوع وتلبسته الرواية يقوم بحذف كل ما كتبه قبل ذلك، حتى لو اضطر لحذف خمسين صفحة فلوسكاب.

مهمة الرواية التوقف أمام أسئلة الحياة والموت

من وجهة نظرك ما مهمة الرواية في زماننا الحاضر؟!

ــ مهمة الرواية من وجهة نظري هي التوقف أمام أسئلة الحياة والموت، الحب والكراهية، الخير والشر، الرواية الجيدة من وجهة نظري هي الرواية التي تثير الكثير من الأسئلة حول ماهية الحياة، حول قضايا العدل الاجتماعي وحرية التعبير ومقاومة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مهمة الرواية هي الحفر في تاريخ الإنسان لاستخراج جوهره الداخلي حتى نقاوم التشوهات التي تحاول أن تحدث الخلل الاجتماعي في العلاقات الإنسانية بين الناس.

الرواية شعر الدنيا الحديث

بوصفِك روائيًا وناقدًا وقارئًا جيدًا للرواية العربية، هلا أوضحت لنا وجهة نظرك بشأن ما وصلت إليه الرواية العربية المعاصرة؟

ــ وصلت الرواية العربية المعاصرة إلى مكانة كبيرة ومتميزة جدًا بعد حصول عميد الرواية العربية نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988، وبعدها قال محفوظ: الرواية أصبحت شعر الدنيا الحديث، وبعدها أطلق دكتور جابر عصفور مقولته: إننا نعيش زمن الرواية، وكثرة الجوائز التي رصدت للرواية خير دليل أننا نعيش زمن الرواية.

أعشق الكتابة بعد منتصف الليل

كيف تكتب؟ وما طقوس الكتابة لديك؟ هلا حدثتنا عن ذلك؟

ــ أعشق الكتابة بعد منتصف الليل وحتى السادسة صباحًا، ولا توجد طقوس محددة للكتابة، فقط أترك الموضوع يختمر داخل رأسي، فترة زمنية طويلة حتى يستوي، ويلح عليّ أن أقوم وأكتب، ويمكن للمقربين منيّ أن يسمعوا بعض همهمات أو حوارات قصيرة بيني وبين أبطال الرواية التي أعيش أحداثها بكل جوارحي وأجعل أبطالها يخرجون من الورق ويتحركون أمامي مثل مسلسل أو فيلم تراهم أشخاص حقيقيين يأكلون ويشربون معي ويتعاركون أمامي، بل أنام وأحلم بهم، ويمكنني أن أقوم وسط الليل؛ لأكتب عدة أسطر أو أسجل عراكًا شاهدته في الحلم بين أبطال روايتي الجديدة، أو أكتب مشهدًا فكرت فيه قبل النوم، واستمر معي في الحلم طول فترة النوم، باختصار خلال كتابة الروية الجديدة أجدني أتوحد تمامًا مع أحداثها وشخوصها، كأنني أحد أبطال هذا المسلسل أو الفيلم.  

العمل الصحفي والإداري يعطل مشروع الأديب

كتابة القصص القصيرة والرواية والمقالات الصحفية هل تخلِق نوعًا من التشتت للقاص أم أنها تساهم في خلق مناخ متكامل من الإبداع؟

ــ من المهم جدًا أن يتفرغ الأديب لكتابة القصة والرواية، وهو موضوع قديم عاني منه الكثير من الأدباء وعلى رأسهم نجيب محفوظ، ووجد الحل الأديب يحيى حقي عندما اقترح على الوزير ثروت عكاشة عمل إدارة للتفرغ تمنح الأديب راتبًا شهريًا تُعينه على أحوال المعيشة، وأول من استفاد من مشروع منحة التفرغ نجيب محفوظ، وبعد فترة رشّح نجيب محفوظ الكاتب إبراهيم أصلان الذي كان يعمل في مكتب بريد حتى يتفرغ للكتابة، بالنسبة لي العمل بالصحافة الأدبية كان بهدف تأمين حياة مناسبة لأسرتي؛ لأن مرتب وظيفتي بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2000 كان لا يكفي أن يعيش الأديب حياة كريمة، والكل يعرف أن العائد المادي من بيع الروايات ضعيف جدًا، وأذكر أنني قبضت مبلغ ألف جنيه دفعة أولى من تعاقد دار النشر على روايتي الأولى عام 2000، وعندما رجعت للبيت سألتني ابنتي الصغيرة كم قبضت يا بابا؟ قلت لها مُتفاخرًا: ألف جنيه، فأشاحت ابنتي الصغيرة بيدها في الهواء قائلة بدهشة: ألف جنيه بس يا بابا، حضرتك شربت بأكثر من ألفين جنيه شاي وقهوة وأنت تكتب هذه الرواية، وابنتي لا تعرف أن الكثير من الأدباء يدفعون أموالا من قوتهم لدور النشر الخاصة مقابل طباعة أعمالهم الأدبية.

صعوبات بداية مشوار الكتابة

ما الصعوبات التي واجهتك في بداية المشوار القصصي؟!

ــ صعوبات كثيرة واجهتها في بداية مشواري مع كتابة القصة والرواية؛ لأنني علمتُ مُدرسًا للغة العربية بوزارة التربية والتعليم من عام 1987 وحتى عام 2000، وكان عليّ أن أستيقظ بالسادسة صباحًا، وأنزل من البيت قبل السابعة صباحًا، وكان لابد من إعطاء الدروس الخصوصية، وهكذا كنتُ أعود للبيت الساعة الحادية عشرة أو منتصف الليل، فكيف أجد الوقت حتى أقرأ وأكتب؟! وكانت نصيحة الأدباء الكبار أن أعمل مثلهم، أن أنقل عملي لأية جهة بوزارة الثقافة، وحظيت بموافقة وزير الثقافة الفنان فاروق حسني أثناء تسلمي الجائزة مرتين: في القصة القصيرة وفي الرواية من نادي القصة بالقاهرة عام 1999، واخترت العمل بإدارة النشر بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2000. 

 أفادتني حبسة كورونا بكتابة ثلاث روايات خلال سنتين

كيف تجد الحياة في زمن الكورونا وما مدى تأثيرها على عالم الرواية؟

ــ جاء فيروس كورونا وأنا أعاني من مضاعفات كسر بساقي اليسرى يوم 28 ديسمبر عام 2018، وظلّ قدمي في الجبس مدة شهرين، وطلبت من ابني دكتور محمد خليل أن يضع بجواري مجموعة من الروايات من المهم قراءتها، وهكذا أفدت من فترة كسر القدم بالقراءة، ثم مع أول مارس 2019 أخذ فيروس كورونا بالانتشار، وحدد رئيس الوزراء الحضور في المصالح الحكومية بنسبة 50 %؛ وهكذا أفادتني حبسة كورونا والبقاء في البيت بقراءة أكثر من خمسين رواية وكتابًا نقديًا، والحمد لله أنجزت كتابة ثلاث روايات خلال عامي 2020 و2021.  

خطوات أولية في عالم الإبداع

حدثنا قليلًا عن يوميات مدرس البنات.. ما ملامح بداية المشروع الروائي والخُطوة الأولى في عالم الإبداع؟!

ــ كما قلت من قبل لم تكن رواية يوميات مدرس البنات الخطوة الأولى في مشروع الكتابة عندي، لقد كتبت ونشرت أكثر من ثلاثين قصة قصيرة في كل الصحف والدوريات المصرية والعربية، حتى أنني عندما تقابلت مع الأديب بهاء طاهر في المجلس الأعلى للثقافة وطلبت منه موعدًا لإجراء مقابلة صحفية معه، فاجأني بقوله: طبعًا أعرفك جيدًا، وقرأت لك قصة بملحق الجمعة في جريدة الأهرام، وقصة ثانية في مجلة الهلال، وقصة ثالثة في العدد الأسبوعي يوم الخميس بجريدة الجمهورية، وربت كتفي قائلا: متى نقرأ كتابك الأول؟!، في رواية يوميات مدرس البنات حاولت أن أطرح قضية التفكك الأسري على مائدة الدرس والنقاش نتيجة غياب الأب بأية طريقة: بالسفر للعمل بالدول العربية والأوروبية، أو بالطلاق، أو بالموت، هذا الغياب يؤدي إلى ضياع جيل كامل نتيجة الركض وراء جمع الأموال، حاولت أن أطرح الكثير من الأسئلة التي تهمنا كمجتمع شرقي مُتسائلا: كيف نربي بناتنا وسط الفضائيات وبداية عالم الانترنت الذي بدأ يغزو عالمنا العربي مع بداية عام 1998 وهو زمن كتابة الرواية؟!

إهداء رواية مواقيت الصمت للكاتب يحيى حقي

لماذا كان الإهداء في رواية مواقيت الصمت للكاتب الكبير يحيى حقي؟!

ــ ذات ضُحَى كنتُ أركبُ مترو عبد العزيز فهمي ــــ حيث أسكنُ في حي الألف مسكن آخر مصر الجديدة ــــ في طريقي إلى كلية الآداب جامعة عين شمس بمنطقة العباسية، كنتُ طالبًا بالسنة الثالثة بالكلية عام 1983/1984، ودومًا أجلسُ بجوار النافذة أتأملُ شوارع روكسي بمصر الجديدة، وفجأة وجدتُ الكاتب الكبير يحيى حقي يسيرُ على قدميه، بجوار سور حديقة الميرلاند بروكسي، وكنتُ قد حضرتُ له ندوة أو ندوتين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، قفزتُ من باب المترو الذي كان عادة يسيرُ ببطء، ووقفتُ فجأة أمامه لأسأله: لماذا كل هذا الحُبُّ للسيدة زينب؟!

توقف الأستاذ يحيى حقي مُندهشًا يتأملني، كان لا يعرفني، فأحسستُ بالربكة التي أحدثتها والسؤال المفاجئ، فقلت: أنا طالب بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس، وندرس رواية قنديل أم هاشم هذا العام، هَزَّ الأستاذ رأسه وردَّ مُبتسمًا: أهلا وسهلا، وأعدت عليه سؤالي مرة ثانية: نظر ناحيتي مُستفسرًا: هل تسكن حيّ السيدة زينب؟! فأجبت لا؟ فقال: اذهب واسكن حيّ السيدة زينب حتى تعرفَ إجابة سؤالك، وتركني واقفًا وأكمل سيره المعتاد.

بالسنة التالية بحثتُ عن سكن جديد، وسكنتُ شارع الناصرية قريبًا من ميدان السيدة زينب، وفي حيَ السيدة زينب عشتُ عشر سنوات، وفي ميدان السيدة زينب رحتُ أبحثُ عن أبطال رواية قنديل أم هاشم، رحتُ أبحثُ عن: الست ما شاء الله بائعة الطعمية، والأسطى حسن الحلاق، وبائع الدقة الأعمى الذي لا يبيعك إلا إذا بدأتُه السلام وأقرأك الصيغة الشرعية للبيع والشراء، والمعلم كرشه أشهر طرشجي بالميدان الذي يمنحك كوزًا صغيرًا من مياه الطرشي ويضحك وهو يقول: اشرب الويسكي الحلال، ثم تركت السكن بحي السيدة زينب، وبعد عشر سنوات كتبتُ رواية: مواقيت الصمت وفاءً للمكان الذي عشت بين ناسه وشوارعه بكل محبة، وأهديتُها للكاتب الكبير يحيى حقي. 

العالم العربي لا يرحب بقراءة السيرة الحقيقية للأدباء

حدثنا عن سيرة بني صالح وما مدى اختلاف تقنية السيرة الذاتية عن سائر أنواع القصص الروائي؟!

ــ في عالمنا العربي لا يجد الأديب ترحيبًا قويًا من عائلته، خاصة إذا كان لديه أولاد وبنات وزوجة، أن يكتب عن سيرته الذاتية بكل تفاصيلها الحقيقية، ربما الوحيد الذي كتب سيرته بكثير من الجرأة الكاتب محمد شكري في رواية الخبز الحافي؛ لأنه لم يتزوج، لكني قرأت أن شقيقته حاولت منعه من إعادة نشرها في المغرب؛ لأنه كتب عن والده بالكثير من الإدانة، وأيضًا عندما كتب دكتور لويس عوض سيرته الذاتية: من أوراق العمر، هاجمه شقيقه دكتور رمسيس عوض، بل رفض دكتور رمسيس عوض أن يعطى حق إعادة النشر لكتب شقيقه الدكتور لويس عوض بعد وفاته، قائلا: معظم ما ذكره في كتبه كذب ولا يمت للحقيقة، وحتى عندما كتب دكتور طه حسين سيرته الذاتية في رواية الأيام، اختار ما يتناسب مع مجتمعنا الشرقي أن يعرفه عن حياة الأديب الخاصة، وهكذا فعلت عند كتابة رواية سيرة بني صالح، لقد اخترت بعض المشاهد التي تسرد ما أود سرده عندما تعرضت لسرد جوانب من حياة أمّي ووالدي وجدي وجدتي وشقيقتي الصغيرة التي ماتت بالسرطان، وكان عمرها خمسة وثلاثين عامًا.

رواية أيام بغداد والعودة للكتابة

رواية أيام بغداد عمل كبير ومهم وخاصة فوزها بالجائزة الأولى في مسابقة الروائي إحسان عبد القدوس عام 2019 وتعتبر نقطة الرجوع إلى عالم الكتابة هل كان هناك اختلاف في مقومات القلم الإبداعي لديك؟

ــ كما قلت من قبل العمل بالصحافة الأدبية والعمل الإداري العام يعطلان الأديب عن تكملة مشروعه الروائي، وبالفعل بعد تعييني مُديرًا عامًا ثم وكيل وزارة الثقافة.. رئيس الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة، هذا العمل الإداري أخذ الكثير من الوقت والجهد، حتى أنني طوال سبع سنوات لم أكتب إلا رواية واحدة: أيام بغداد ونصف مجموعة قصصية، وبالفعل كلما يتقدم الأديب بالعمر يمتلك أدواته أكثر وأكثر، ويَبيتُ مُسيطرًا على حرفية الكتابة الأدبية، وهذا بالفعل ما تحقق عند كتابة رواية أيام بغداد، الطريف أنني ظللت أسرد أحداثها طوال أكثر من خمسة وعشرين سنة، حتى طالبني الكثير من الأدباء الأصدقاء المقربين أن أكتبها وأتقدم بها لجائزة إحسان عبد القدوس؛ لتفوز بالجائزة الأولى، وترحب بنشرها دار المعارف بسلسلة روايات دار المعارف، الدار العريقة في نشر الكتب الأدبية والفكرية حتى قال عنها دكتور طه حسين: خُذْ المعارف من دار المعارف.

إحسان عبد القدوس اسم كبير

الجائزة الأولي في مسابقة إحسان عبد القدوس هل كان لها مذاق خاص عن الجوائز سابقيها؟

ــ تقليتُ خبر فوز رواية أيام بغداد بالجائزة الأولى في مسابقة إحسان عبد القدوس للرواية عام 2019 بسعادةٍ غامرة وفرحة كبيرة مُضاعفة لسببين: الأول: اقتران اسمي باسم الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، خاصة وصادف احتفالية تسليم الجائزة مناسبة مرور مائة عام على مولده، والثاني: عودتي لكتابة الرواية بعد توقف سنوات طويلة، ورواية أيام بغداد ترصدُ فترة عملي بالعراق، وكنتُ لا أزال طالبًا بكلية الآداب جامعة عين شمس 1982 – 1985، وسافرتُ مثل آلاف الشباب للعمل بالعراق خلال الإجازة الصيفية، وخلال هذه السنوات كانت الحرب العراقية/ الإيرانية مُشتعلة، بسبب الخلاف العقائدي بين بغداد وطهران، وشاهدتُ حالة الدمار والخراب بالمدن العراقية، وعملتُ مُديرًا لأحد الفنادق بمدينة النجف التي تعتبرها إيران عتبات مقدسة لوجود مسجد وضريح الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ لهذا نجت مدينة النجف من قذف الطائرات الإيرانية، وبعين المُشاهد كتبتُ الكثير من التفاصيل الإنسانية التي شاهدتها وعرفتها عن شخصيات عراقية ومصرية عشتُ معهم خلال هذه الفترة، ورصدتُ جوانب من حياة بعض الشباب المصريين الذين سافروا بحثًا عن فرصة أفضل للحياة الكريمة، بالعمل على تحسين أحوال معيشتهم الفقيرة والضيفة؛ لكن بعضهم عاد في صندوق خشبي، يسبق اسمه لقب: المرحوم.

المدارس النقدية المتباينة

من واقع خبرتك النقدية هل من الممكن أن يكون الكاتب ناقدًا لغيره وما الشروط الواجب توافرها في الناقد؟

ــ من المهم أن يدرس ويقرأ الأديب الكثير من الدراسات النقدية للنوع الأدبي الذي يكتبه، حتى يتعرف على المدارس النقدية المتباينة، وأن يقرأ عشرات القراءات والدراسات النقدية التي كتبها النقاد عن أدباء جليه والأدباء السابقين والذين كتبوا بعده؛ حتى يعرف أن يقف مشروعه الروائي وسط المجايلين له، والكثير من الأدباء الكبار تجدهم محكمين في مسابقات وجوائز أدبية، ومن الأدباء من جمع بين الكتابة السردية والنقد الأدبي ومنهم: الأديب يحيى حقي والأديب يوسف الشاروني، والطريف أن يوسف الشاروني نال جائزة الدولة التشجيعية مرتين: الأولى عن مجموعته القصصية: الزحام 1970، والثانية في النقد الأدبي: نماذج من الرواية المصرية 1978، وأهم شرط للأديب الذي يشتغل بحقل النقد الأدبي أن يكون قارئًا جيدًا للمدارس النقدية الأدبية حتى يستطيع قراءة العمل الأدبي وكتابة رؤيته النقدية طبقًا للمنهج النقدي الذي يتبعه عند كتاباته النقدية بعد قراءة الرواية التي سيكتب عنها.

قراءة أعمال المسابقات تجعلك وسط المشهد الأدبي

هل أفادك نقد الآخرين بصفتك عضوًا في نادي القصة ومُحكمًا في تجاربك الروائية؟!

ــ أنا عضو تحكيم بالكثير من المسابقات الأدبية مثل مسابقة الصاوي للقصة القصيرة ومسابقة إبداع التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة مع الجامعات المصرية وعضو لجنة الفحص والقراءة في لجنة القيد بنقابة اتحاد كُتّاب مصر، وعضو لجنة القراءة في سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة، وبعض المسابقات الأدبية الأخرى التي تشترط السرية وعدم الإعلان عن التحكيم بها، المهم عند قراءة الكثير من الأعمال القصصية والروائية في المسابقات الأدبية ولجان الفحص والقراءة يكتسب الأديب خبرات كثيرة، ويتعرف على كتابات جيدة من أجيال شبابية لاحقة، كان يمكن ألا يتوقف عندها بالقراءة في حالة عدم وجوده مُحكمًا في هذه المسابقات، وتفيده كثيرًا في كتابة واستمرار مشروعه الروائي، وبالتالي لقد أفدتُ كثيرًا بقراءة هذا الكم الكبير من القصص والروايات التي شاركت في قراءتها وتحكيمها؛ لأن قراءة أعمال المسابقات ولجان القراءة تجعلك وسط المشهد الأدبي الراهن.

مشغول بكتابة رواية جديدة

في الفترة الأخيرة حصد مشروعك الروائي الكثير من التقدم المُثمر بعد توقف قليلًا بظهور روايتي خالتي بهية والبومة السوداء للنور وقبلهما أيام بغداد هل هناك مشروع قريب يُضاف للمشوار القويّ وبِمَ أنت مشغول؟!

ــ لم أنشر إحدى مجموعاتي القصصية أو رواياتي في أية دار نشر خاصة، وبالتالي يحدث أن يتصادف مثلا أن تظهر روايتان في عام واحد، وهذا ما حدث معي، رواية: خالتي بهية ظلّت حبيسة الأدراج سنتين ونصف بالهيئة المصرية العامة للكتاب، حتى حان دورها بالنشر، وظهرت في أكتوبر 2021، وكذلك رواية: البومة السوداء ظهرت للنشر في سبتمبر 2021، وبالطبع أفضل كروائي أن تظهر رواية واحدة كل عام حتى تأخذ حقها بالقراءة والدرس النقدي، لكن قائمة الانتظار الطويل قد تربك حساباتك، ومشروعي الروائي حلقات متصلة، وعندي روايتان تحت الطبع، الأولى: بعنوان: أولاد عطية غطاس، وكم آمل أن تظهر للنور قريبًا، وأنا مشغول الآن بكتابة الفصل الخامس من الرواية الثانية، ويتبقى كتابة الفصلين السادس والسابع، وإن شاء الله خلال هذا الشتاء ـــ لأنني أحب الكتابة في فصل الشتاء ــــ وعندما أنتهي من كتابة الفصلين الأخيرين، سأعلن عن اسمها بعد المراجعة الأخيرة.

الأديب الشاب عليه أن يقرأ عشرة أضعاف ما يكتب

ما النصائح التي تُريد أن تُقدمها للشباب في بداية مشوارهم الإبداعي؟!

ــ لا أحب النصائح، ولكن وإن كان ولابد منها، فنصيحتي للشباب مع بداية مشوارهم مع الكتابة القراءة الكثيرة، لابد أن يقرأ الأديب الشاب عشرة أضعاف ما يكتب، من ثلاث سنوات حضر لاتحاد الكُتّاب أحد الأدباء تم رفض كتبه، وبالتالي لم ينل عضوية اتحاد الكُتّاب لضعف مستوى كتابته، ونصحوه أن يجلس معي، وبعد حديث الود وتناول القهوة في مكتبي بنقابة اتحاد كُتّاب مصر أعطيته ورقةً وقلمًا، وطلبتُ منه أن يكتب أسماء عشرة روايات لأدباء مصريين قرأهم، وعشرة روايات من البلاد العربية، وعشرة روايات من الدول الأوربية وروسيا والأمريكتين، فنظر ناحيتي مُرتبكًا ومُتسائلا: يا أستاذنا حضرتُ لأسألك لماذا لم تقبلْ كتبي في اتحاد الكُتّاب؟! قلت له مُؤكدًا: عندما تقرأ ثلاثين رواية لأدباء مصريين وعرب وعالميين، ستقبل لجنة القيد رواياتك وتصبح عضوًا في اتحاد الكُتّاب.

مهندس زراعي أزرع أشجار المانجو والعنب والبرتقال

لو لم تكن روائيًا ماذا كنت تَود أن تكون؟!

ــ كنتُ أودُّ أن أكونَ مُهندسًا زراعيًا وعندي مزرعة أشرف على زراعتها بأشجار المانجو والعنب والبرتقال والخضروات، وأربي فيها مجموعة من الخراف التي أراها تكبر يومًا بعد يومٍ أمام عيني، حلم جميل لا أزال أحلم بتحقيقه بعد الخروج على المعاش إن شاء الله.

ــــــــــــ

المحاورة: الباحثة علياء علي عبد الوهاب تُعِدُّ رسالة ماجستير بعنوان: (البناء الفني في روايات خليل الجيزاوي) تحت إشراف الدكتور عبد الرحيم الجمل والدكتور بيومي طاحون بقسم الدراسات الأدبية كلية دار العلوم جامعة الفيوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى