سر النّجاح

رحاب يوسف | أديبة فلسطينية

     حتى تنجحْ يجبُ أن تتَحمَّل العيشَ في أسوأ الظروف وأحلَكِها، فيُخرج اللهُ – سبحانه وتعالى – أفضلَ ما فيكَ من إبداعٍ ونجاحٍ، كأنْ تُبتَلى بمَرَضٍ، بفَقرٍ، بمَكر ، بجُحودِ ونُكران الجميع لفضلك، أو أيِّ مكروهٍ، فهذه حِكمَةٌ ربّانيّةٌ، قد تبدو شرّاً في ظاهرها، لكن في باطنها الخيرَ كُلَّه، يريدُ اللهُ أن يُهَيئَك لمرحلةٍ نظيفةٍ جديدةٍ في حياتكَ، تَنتَقِلُ إليها نظيفاً من أشخاصٍ غير نظيفين من الداخل، حاولوا عَرقَلَةَ خُطُواتِكَ، وتقَدُّمِها، وجَرِّها نحو الوَحل .

     أودعَ اللهُ في كُلِّ إنسانٍ سِرّاً خاصاً يقودُه إلى النجاح والإبداع، ومفتاحُ هذا السرِّ مَدفونٌ في أعماقه، فعَليه البحثُ والتفتيشُ عنه بين أسطُرِ نفسه وكلماتِها المُتَزاحِمة، وعليه ترتيبُها أولاً إلى مُقَدِّمةٍ، وعرضٍ، وخاتِمَة.

     يعيشُ الإنسانُ مَراحِلَ طُفولَتِه، وصِباهُ، وشبابِهِ، مُتَنقّلاً بين مَحَطّاتٍ كثيرةٍ، يُجَرِّبُ هذا فيُعرِضُ، ثم هذا فيُعرِضُ، ثم ينتقلُ إلى تجاربَ أخرى، ويبقى على هذا الترحال مُحاوِلاً إيجادَ ما تَنسَجِمُ مَعهُ روحُهُ ونفسُهُ، أو من أجل تحقيق مكانةٍ اجتماعيّةٍ؛ ليتَخَلّصَ من عَجزِه، وضَعفِه، واضطِرابه، وإقصائه، فيلجأ أحيانا إلى النجاح المُؤقّت، فيستَسهِلُه، يُقَلِّدُ هذا فيفشَل، ثم يُقَلِّدُ ذاك فيفشلُ، فيَمُرُّ بخيباتٍ مُتَتاليةٍ؛ لأنّه لم يُفَتِّشْ عن مُفتاح النجاح في نفسِه، بل راح يَستَنسِخُ نجاحاتِ أشخاصٍ لا يُشبِهونَهُ، حتى نَسِيَ نفسَهُ الحقيقية.

     أما اضطرابُ الرأي والفكر الذي يَقودُكَ إلى تقليد أشخاصٍ قد لا تَملِكُ أدواتِهم، وظروفَهم، وإمكانياتِهم، إنما فقط لمُجَرَّدِ التقليد، أو الغيرة، فإنَّ هذا يقودُك إلى النجاح المُؤقَّتِ الطارئ، والذي سيختفي، ويتَبَخَّرُ سريعاً.

     حينما يَدُلّكَ اللهُ على المجال الذي ستُبدِعُ فيه تَشَبَّثْ به بالنواجذ، وحاول المَرَّةَ تلو المَرَّة، وثِق أنّكَ لن تُبدِعَ فيه من أوّل مُحاوَلَةٍ، بل سيكونُ عندك أخطاءٌ في المرّة الأولى، ستتفاداها في المرّة الثانية والثالثة، إلى أن تبلُغَ دَرَجة الرضا النفسيِّ والاستقرار.

      عندما سأل أحدُ الصحفيين تُوماس أديسون عن شُعورِه حِيال 25 ألف محاولةٍ فاشلة قبل النجاح في اختراع بطاريةِ تخزينٍ بَسيطةٍ، أجاب: “لستُ أفهمُ، لِمَ تُسَمّيها مُحاولاتٍ فاشِلَةٍ؟ أنا أعرف الآن 25ألف طريقةٍ لا يُمكِنُكَ بها صُنعَ بَطّاريّة، ماذا تعرفُ أنتَ؟”!

     استنفذْ كُلَّ وسائِلكَ وأدواتكَ من أجل أن تنجَحَ، وتَسَلَّحْ باليقين، والتوَكُّلِ، والأخذِ بالأسبابِ، وتَعَلَّقْ بالصلاةِ، وأعمال البِرِّ والدُّعاءِ، حتى تَفتَحَ لكَ السماءُ أبوابَها، عندها سيُبَصِّرُكَ اللهُ طريقَ النجاحِ وأسرارِه، ولن يَترُكَكَ حتى تنجحْ .

     في طريقِكَ إلى النجاح عليكَ ألا تَلتَفِتَ للشتم والسبِّ والنقد الهادم، أجمَعَ العُقَلاءُ أنَّ الناجِحَ لا يُنصِتُ إلى كلام اللائمين، ها هو رئيسُ الولايات المتحدة السابع يقول في خُطبته المكتوبة بحجرٍ من البرونز: “أنا لا أفتَحُ رسائلَ الشَتم المُوَجَّهَةِ إليَّ؛ لأنني إذا نجحتُ سوف يشهَدُ ليَ الجَمهور، وإذا فَشِلتُ في الرئاسة، ونَزَل الملائكَةُ يشهدون لي لن يقبلني أحدٌ”، واللهُ – سبحانه وتعالى – يقول: “لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ”آل عمران (111)، الكلامُ لا يَهدِمُ، وأجرأ الناس في الكلام أكثَرُهُم سّبّاً، وأكثرُهم سَبّاً أقلُّهُم مُروءَةً، وعلى الكريم ألا يُجادِل اللئيم؛ لأنه سيَهزِمُه، لقد سبّوا اللهَ وشتموه، فكيف معكَ أنت!

     إنَّ السرَّ خلفَ الناجحِ أنّهُ لا يُفَكِّرُ بجِنسِيَّتِه، أو درجَةِ شَهادَتِه، أو لونه، أو عِرْقه، فإذا عرفتَ سِرَّ الخلطَةِ مَضيتَ نحو المستقبل المُشرق بعَقلِكَ الحُر.

     هنالك منطقتان عليكَ التَّحَكُّمَ بهما: “منطِقَةُ السعي، ومنطقةُ التَّمَنِّي”، فالتمنِّي أخطرُ مَنطِقَةٍ تُوهِمُ الشخصَ أنّه يُحَقِّقُ أهدافَه، لكنّه بَعيدٌ كلَّ البُعد، وسيَظَلُّ في منطقة التمنّي، حتى يَتَحَرَّرَ ويسعى، ولكي يَخرُجَ من منطقة التمنّي فإنّهُ يَحتاجُ إلى قَرارٍ وشجاعةٍ، كأنْ يقولَ في نفسِه اليومَ: “سأبدأُ بتحقيق حُلمي”، وأنتَ في منطقة السعي ستَتعَبُ أكثَر، السعيُ يعني سَهَر، شَقاء، عَرَقٌ وفي هذه المنطقة ستُخطِئُ، وتَظنُّ  أن خطأكَ مُصيبة تؤدي بك إلى اليأس والإحباط.

     الناجحُ يكون مُمتَنّاً لأخطائه؛ لأنّها ستُغَيِّرُه للأفضل، وستوصِلُه مدارجَ النجاح، وفي هذه المنطقة فإنَّ الحساسيَّة تجاه أيِّ نقدٍ أو كلامٍ أمرٌ مرفوضٌ؛ لأنّه سيَنزَعُكَ من منطقة السَعي، ويُعيدُكَ إلى منطقة التمنّي، أي إلى المُربّع الأوّل ونُقطةِ الصفر.

     تَرَبَّينا على أنَّ في الحَرَكةِ بَرَكَةٌ، أنجَحُ مَرَّةً وأخطئُ ألفَ مرّةٍ، أفضلُ من أن أخطئَ مَرَّةً وأنجَحُ ألفَ مَرَّةٍ، يحتاج السعيُ يوميّاً إلى السقاية المُستَمِرَّة، وإن لم تَسقِ نفسَك ستموتُ، قال تعالى: “وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” النجم (39).

     من السهل الوصولُ إلى القمّة، لكن الأصعبَ هو الحفاظُ عليها، يجبُ أن تؤمنَ بأنّكَ بَشَرٌ تُخطِئُ – شئتَ أم أبيتَ – والأخطاءُ دليلُ نجاحكَ، وإذا لم تتأثرْ بالأخطاءِ ثِقْ أنّكَ جُلمودٌ من الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى