شاهدْ واقرأ: زيارة بحثية لـ “سد الكفرة ” أول سد حجرى فى العالم

إعداد: أ. د. حمدى أحمد محمود |أستاذ المناهج وطرق تدريس الجغرافيا – كلية التربية – جامعة حلوان

سد الكفرة ف الشرق من حلوان هو أول سد مائي تم بناؤه في العالم وكان الأكبر حجماً على مستوى العالم في هذا الزمان وبهذه القياسات الضخمة وسد الكفرة هو سد ركامي في وادي جروي وهو وادي في الصحراء الشرقية على بُعد أكثر من 15 كيلومتراً جنوب شرق حلوان بمحافظة القاهرة بمصر .

صورة (1) بنى السد عام 2600 قبل الميلاد

وقد بناه المصريين القدماء تقريباً في عام 2600 قبل الميلاد للتحكم في الفيضان وكان الأكبر حجماً على مستوى العالم في زمنه ولم يتم الانتهاء منه أبداً ولقد استمر بناؤه ما يقرب من 10-12 سنة قبل انهياره بفيضان كبير والسد معروف للمصريين بسد الكفرة من أزمنة طويلة لاعتقادهم أن من أنشأه هم المصريين قبل دخول المسيحية أو الإسلام لمصر ولقد أعاد اكتشافه الرحالة الألماني يورغ أوغست شفاينفورت Jörg August Schweinfurt في عام 1885 وعلى بعد حوالي أربعين كيلومتراً من القاهرة وبالقرب من مدينة حلوان يقع ما يعرف بوادي جراوي/جروى وهو واد قديم عميق جفت مياهه منذ زمن قديم غير محدد تماماً وأصبح الوادي قفراً دون وجود أي مظهر من مظاهر الحياة سوى بقايا سد مائي عظيم عند مدخل الوادي وفي أضيق نقطة من الجزء الجنوبي الشرقي للوادي وعلى الرغم من أن السد تم اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر فإن السد لم تتم دراسته إلى الآن دراسة علمية وافية ، وكل ما نعرفه عن السد هو أنه تم بناؤه في 2650 إلى2600 قبل الميلاد حتي يحجز مياه الفيضان ، وتم بناؤه من الحجر الجيري بطول 110 أمتار وارتفاع 14 متراً وعرض 32 متراً وقد بقى منه جانباه على يمين ويسار الوادى – تم هدم الجانب الأيسر للأسف حسب معاينة ورؤية المؤلف هناك فى العامين 2019و2020وذلك لأعمال المحاجروالتى لا تزال قائمة للآن-  لذا فالجانب الأيمن فقط بحالة شبه جيدة ،  فالسكان المحليين الذين يعيشون بالقرب من مكان السد لم يخطئوا أنه سد وأنه أقيم لحجز المياه ولذا أطلقوا عليه إسم سد الكفرة ظناً منهم أنه تم بناؤه في زمن الكفار قبل دخول الديانة المسيحية وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم .

صورة (2) المؤلف واقفاً على الجانب الأيمن من السد

والمثير في موضوع هذا السد أنه أول سد مائي يتم إنشاؤه في العالم وبهذه القياسات الضخمة التي لا تدع مجالاً للشك في أن مهندسي السد لم يكونوا يقومون بعمل تجريبي وإنما يقيمون سداً بُناءً على علم هندسي واضح وممنهج ولذلك ليس هناك من شك في أن بناءه تم في عصر بناء الأهرام حيث كان ملوك مصر يشيدون أهرامهم على الضفة الأخرى من نهر النيل ومن خلال دراسة وضع أحجار السد وطريقة لحمها بعضها ببعض نجد تشابها واضحاً بين أحجار أسوار الأهرام وأحجار السد ولا يزال هناك العديد من التساؤلات التي تدور حول سد وادي جراوي / جروى: أولها في عصر أي من الملوك تم إنشاء السد ولماذا يتم إنشاء سد في هذا المكان بالذات؟ وهل قام المهندس بعمل تحويل لمجرى المياه أثناء عمليات الإنشاء وقبل اكتمال السد كما هو معروف في بناء السدود؟ وأيضاً هل اكتمل بناء السد أم لا؟ وأخيراً هل تم تدمير السد عن طريق فيضان ضخم كما يقال ومتى تم هذا ؟

صورة (3) المؤلف ورفيقيه بالقرب من الجانب الأيمن للسد

وحتي تتم الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من قيام بعثة أثرية جيولوجية تضم الأثري والمهندس المعماري والجيولوجي ومن غير المقبول أن موقع سد الكفرة لا يعرفه أحد – إلا القليل – على الرغم من أهميته بل تم تجاهله كأحد أهم المعالم الأثرية والسياحية الفريدة باعتباره أول سد حجري بالعالم لا يزال قائماً جزءً منه ومكان كهذا يستحق أن يكون مقصداً سياحيًا عالميًا لا يقل عن أهرام الجيزة ومعابد الأقصر والكرنك .

 وقد نُشر في جريده أخبار اليوم المصرية بتاريخ 2 يونيو 2010 بقلم محمود عبد المنعم القسوني مايلي : أقدم سد في التاريخ هو سد الكفرة أوالوثنيين أو الملحدين أو سد وادي جراوي إذ شيده أجدادنا الفراعنة منذ 5 آلاف سنة ويوجد هذا السد جنوب شرق مدينة حلوان ويسهل الوصول للمنطقة من خلال الدروب الممهدة التي تقود إلي الوادي من طريق الأتوستراد واختيار الموقع الذي أُقيم عليه السد يمثل ظاهرة فريدة من شتي النواحي فالوادي الذي أقيم عليه السد تتجمع فيه مياه الأمطار حتي يومنا هذا أكثر من اي واد في الجزء الشمالي من الصحراء الشرقية مما يعني أن قدماء المصريين لاحظوا هذه الظاهرة وأقاموا هذا السد لحجز كميات كبيرة من المياه خلفه .

صورة (4) أحجار السد المرصوصة

واليوم توجد كميات كبيرة من الماء أمام وخلف منطقة السد نتيجة الأمطار التي سقطت خلال الشهور الأولي من العام الحالي – وقتها – والسد كما يظهر من الجزء المتبقي منه مكون من حوالي 92 درجة مدمالك من الأحجار مرصوصة فوق بعضها البعض بعناية تماماً كما هو الحال في بناء الأهرام وزاوية ميل الجانب الأمامي 54 درجة تقريباً بحيث تسمح باتساع قاعدته وهذه الأحجار من نوع الحجر الجيري وهي مقتطعة من الأحجار المتاحة بالمنطقة ومتوسط أبعاد الحجر الواحد حوالي 54 في 54 في 30سم ويعاني هذا الأثر من الإهمال والتعدي في الفترة الحالية فبالإضافة إلي العوامل الطبيعية التي تعمل علي تآكل أحجاره ذاتها ومن ثم انهيارها تباعاً ، يعاني أيضاً من أفعال الإنسان وقد أدت هذه الأخيرة إلي هدم جانب من جوانبه لعمل طريق صاعد لسيارات شركات المناجم والمحاجر بالوادي ولم يسلم الجانب الآخر من أعمال هدم منظمة ، يبدو أنها نتيجة للبحث عن خبايا وكنوز فرعونية فيه كما يظن البعض.

صورة (5) الجانب الأيمن من السد

ويقع السد ضمن منطقة امتياز أحدي شركات الأسمنت الشركة القومية للأسمنت التي تقوم بتحجير الأحجار من المنطقة علي نطاق واسع ولا توجد أي أشارات ترشد إلي أهمية السد أو موقعه أو قيمته الأثرية بالمنطقة وقد قمت أوائل شهر أبريل الماضي من العام الحالي ألفين وعشرة بزيارة هذا السد لأشاهد بعيني وأسجل بالصورة البدء في محو صفحة بالغة الأهمية من تاريخ مصر معلوماتها منتشرة بشكل ملحوظ في مطبوعات خارج مصر بينما نحن المصريين لا يعلم معظمنا تفاصيلها السد علي مسافة أربعة وثلاثين كيلومتراً جنوب شرق مدينة حلوان مطلوب سيارة دفع رباعي لبلوغه للأسف شركات المحاجر تزحف عليه من كل جانب لتدمر المنظومة الجيولوجية حوله وتطمس التضاريس التي دفعت أجدادنا الفراعنة اختيار هذا الموقع لبنائه مع أشارتي إلي أننا عندما نذكر كلمة سد نتوقع مشاهدة جدار ضخم مرتفع يسد مجري مياه متدفقة ويخزن كما كبيراً من المياه في بحيرة خلفه ، وهو ليس حال سد الكفرة بالمرة فما تبقي منه مثير للشفقة حيث بقي جزء لا يتعدي عرضه الثلاثين متراً وارتفاعه عشرة أمتار مثبت علي الجانب الشمالي لجدار وادي جراوي وهو جزء سيزول بالتأكيد لو استمر حال التدمير العشوائي الجاهل من المحاجر حوله ، وما لفت نظري هو الشكل الجيولوجي للوادي والذي قام الفراعنة بعبقرية فذة بدراسته واختياره لما سيحققه من تخزين لكم هائل من مياه الأمطار والسيول الصحراوية خلفه للاستفادة بها طوال موسم الجفاف فعرض الوادي يتعدي المائة متر .

صورة (6) آثار المياه بالقرب من السد

وواضح من شكل صخوره الملساء جداً وأشجاره ونباتاته المائلة كلها للجانب الغربي لتلامس أرضية الوادي أن هذا القطاع واجه ويواجه حتي يومنا هذا كماً هائلاً من المياه المندفعة بقوة من قلب الصحراء الشرقية إلي النيل كما أن ألوان جانبيه تُثبت أن المياه بلغت ارتفاع السبعة أمتار دون مبالغة ، وقد لاحظت العديد من برك المياه الممتلئة هنا وهناك وسط تضاريس هذا القطاع كما لاحظت أن هناك سياحاً أوروبيين معظمهم ألمان يتوافدون علي هذا الموقع لمشاهدة ما تبقي من هذا السد وتصويره والذي سجل كأقدم سد يبنيه الإنسان في التاريخ وقصة اكتشافه طريفة واجبة التسجيل فأوائل عام ألف ثمانمائة ثلاثة وثمانين حضر لمصر الجيولوجي الألماني شوينفورث Jörg August Schweinfurt مصاباً بمرض صدري قيل له أنه لن يعيش أكثر من ثلاثة شهور ونصحه الطبيب بالسفر إلي مصر حيث الشمس والمناخ الجاف والمياه الكبريتية بحلوان ، وحضر فعلاً ليمتد عمره أربعين عاماً حيث توفي عام ألف تسعمائة اثنين وعشرين خلال سنين أقامته بمصر حقق إنجازات علمية وجيولوجية مهمة بمصر وبعض من الدول العربية والأفريقية أهمها اكتشافه لسد الكفرة عام ألف ثمانمائة خمسة وثمانين .

صورة (7) جانبى الوادى يهر الجانب الأيسر وقد تهدم

 وسجل أنه أول سد يبنيه البشر في التاريخ وأنه يعتقد أن بناءه تم في الفترة ما بين الأسرة الثالثة والأسرة الرابعة أي منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وأنه بدراسة الموقع والمخلفات التاريخية المحيطة به ثبت أن السد انهار بعد فترة وجيزة من بنائه بسبب فيضان صحراوي كارثي غير متوقع وأشار شوينفورث أن السد تم بناؤه بهدف توفير كم من مياه الشرب لعمال محاجر الألباستر الواقعة علي مسافة أربعة كليومترات شرق موقع السد ، وأن أحجار هذا السد تم رصها أعلي بعضها بدون أي معاجين لاصقة مثل الأسمنت فهذا التكنيك لم يكن معروفاً لدي الفراعنة في ذلك الوقت وقدر حجم الماء المخزن خلف السد بخمسمائة خمسة وسبعين ألف متر مكعب .

 والدراسات العلمية التي تلت بعد ذلك من العديد من العلماء أكدت أن كم المياه المخزن خلف السد بعد بنائه مباشرة كان هائلاً لدرجة أن المياه بلغت أعلي السد وانسابت من فوقه مع الإشارة إلي عدم وجود أي قنوات للصرف الزائد علي أجناب السد وهو ما أدي إلي انهياره، وما يثبت هذه النظرية هو عدم وجود خليط متراكم من الرمال بين أحجار السد وهو الخليط الذي كان متوقعاً أن ينقل مع سيول الصحراء الشرقية المندفعة بقوة والثقيلة جداً لترتطم بهذا التشكيل ولتتخلله وهو ما أكد انهياره بعد فترة قصيرة من إتمام بنائه وكان ارتفاعه سبعة وثلاثين متراً ومُشكلاً من جدارين كل جدار سمكه عند القاعدة أربعة وعشرون متراً وتم بناؤهما بحوالي أربعين ألف طن من الصخور وحشو الفراغ الواقع بينهما بستين ألف طن من ركام صخور الوادي ليبلغ سمك السد أربعة وثمانين متراً وطوله مائة وثمانية أمتار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى