ولادة دولة الحرية والعالم الجديد.. كيف؟

د. أحمد نسيم برقاوي | مفكر وفيلسوف عربي

ليست الحرية- كما يظن بعض الناس- مجرد طقوس شكلية خالية من معنى الوجود الانساني بوصفه قيمة القيم ،بوصفه غاية لا تساويها أية غاية.وكل قيم سائدة وعادات وتقاليد وأنظمة وسلط ،لا تنطلق أو تتأسس على هذا،وإن الإنسان هو الغاية المطلقة التي لا تساويها أية غاية ،معادية للإنسان بوصفه حراً .

الحرية نمط حياة، بل هي ماهية الحياة الكريمة، إنها العيش الذي يخلق الأشكال والصور التي تعين ماهية الحرية .

الحرية بوصفها نمط حياة وعيش، تعني حضور الذات بأعلى درجات الظهور دون خوف من احد.

فلا يكون في مجتمع الحرية ذات خفية، تعلن عن نفسها بشكل كاذب، يناقض ما تعتقد وتريد وما تفكر به.الحرية ،ببساطة، زوال انشطار اﻷنا بين انا خفي وانا ظاهر.وانتقال الأنا إلى حال الذات الفاعلة ذات الإرادة الطليقة.

وتأسيسا على مبدأ، كهذا يجب النظر الى الانظمة السياسية والحركات المعارضة لها ، والنظر إلى الافكار والايديولوجيا والثورات والخطابات والأديان والقوانين والدساتير ،وإلى كل ما يتعلق بحاضر الإنسان ومستقبله.

وتأسيسا على ذلك أيضا نقول- بكل اطمئنان بصحة ما   نقول- لا يمكن لمن يسعى لدولة ذات أيديولوجيا، ومهما كانت هذه الايديولوجيا، ان يسعى بنفس الوقت الى دولة الحرية.فالدولة الأيديولوجية هي دولة معادية للحرية بشكل مطلق،وبالتالي معادية للإنسان .لأن الدولة الأيديولوجية هي دولة تعصب ونفي وقتل ودجل.

وخطر المصابين بلوثة التعصب الأيديولوجي الدنيوي ،لا يقلون  خطرا عن  المصابين بلوثة التعصب الأيديولوجي الديني.كلاهما خطر.

إن هناك أخطار جسيمة، أمام ثورات الحرية، وعوائق معيقة لتحقق فكرة الحرية،متمثلة بذهنية الاقصاء للمختلف، وبذهنية الغنيمة والإستحواذ،والفجع للسلطة.ولهذا فإن الطريق نحو انتصار ثورة الحريةطريق طويلة.

وليست ممارسات  الذهنية الأيديولوجية ،وذهنية الغنيمة  العنفية على مسار ثورة الحرية  إلا ثورة مضادة داخل فضاء الثورة.

وإذا أضفنا إلى الخنجر اﻷصولي العنفي جعجعة المثقف الميت، المثقف الذي يبرر انحيازه إلى العفن بفكرة الخصوصية الزائفة، أدركنا حجم المهمة الثقيلة الملقاة على عاتق ثورة الحرية.

ولهذا يجب القول بأعلى الصوت: ﻻ يمكن لحركات الترويض أن تكون نقيضا لسلطة الترويض الحاكمة، لايمكن لمثقف الترويض المتخلف، أن يتجاوز أُفق مثقف سلطة الترويض.

ولعمري أن ثورة ثقافية يجب أن تكون جزء لا يتجزأ من ثورة الحرية، فتكوين وعي بالحرية يمنح ثورة الحرية حرية أعمق في إبداع السبل المطابق لمكانة الإنسان بوصفه الغاية المطلقة، كما قلنا.

ولا معنى لأية كتلة تاريخية تتصدر حركة الدفاع عن الإنسان ومواجهة أحط أشكال السلط الطغيانية التي عرفها تاريخ الطغيان، إن لم تصدر في ممارساتها العملية من فكرة الحرية بالمعنى الذي نشير إليه. المعنى الذي بدوره يعين الديمقراطية ونظام الدولة وصورها. 

وعلى هذا، فإنه يقع على عاتق الكتلة التاريخية الشعبية الحرة عبء انتصار مسار الحرية وولادة دولة الحرية والعالم الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى