جَمِّلْ كلامك بالقرآن ( 8 )

أ.د. هدى مصطفى محمد

أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية – جامعة سوهاج

هناك بعض العبارات والأقوال التي نجد أنفسنا نرددها في بعض المواقف، وهذه الأقوال قد تكون أمثالاَ شعبية، أو أقوالاُ مأثورة والأجمل أن تكون آيات قرآنية أو أحاديث نبوية. وترديدنا لهذه الأقوال يأتي في سياقات لغوية مختلف، ويأتي دائماً لتدعيم مانقول بأدلة واستشهادات. ونأمل دائماً أن نكون موفقين في اختياراتنا لهذه الأدلة، لتكون مناسبة للسياق، ولعل أول طرق التوفيق هو التعرف إلى المعاني الصحيحة لهذه الأدلة وسياقاتها أو مناسباتها .

ومن هنا جاء هذا الطرح للآيات القرآنية التي يكثر استخدامها في أحاديثنا وكتاباتنا لنتعرف  سياقاتها أو مناسبة نزولها وفي هذا إعادة نظر للحكم على صحة استخدامنا إياها، فقد يتحقق تصحيح فهم لدى البعض ، وكذلك إدراك لمدى ما نستخدمه من القرآن في أحاديثنا  وقد تكون بداية للإكثار من ذلك فنجمل أحاديثنا بالقرآن، كما أن معرفة المعاني ستزيد من إدراكنا لكثير من السور التي نقرأها وبذلك يتحقق عنصر من عناصر التلاوة الشرعية وهو التدبر في معاني ما نقرأ، ولعل الفهم لبعض الآيات ييسر التلاوة ويحببنا فيها ويعين على الحفظ  لمن أراد؛ فالفهم من العوامل المهمة التي تساعد على حفظ القرآن والارتباط به.

ونستكمل ما بدأنا من قبل ومعنا آيات اليوم من سور يوسف والرعد وإبراهيم : قال تعالى :” جَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ  “ يوسف / 18

جاء في معنى الآية أن يعقوب – عليه السلام – كان واثقاً بأن أبناءه كاذبون في الوصف الذي وصفوه وواثقاً بأنهم ألحقوا الضرر بيوسف – عليه السلام – وهو لا يملك من القوة أن يبحث عن ابنه ولا يستطيع اللجوء إليهم في ذلك.

وقد أجمل يعقوب التعبير عن مصابه إجمالاً موجهاً لأنهم يحسبون أن ما يصفونه من موت يوسف بأكل الذئب إياه وكأنه واقع بينما هو وصف كاذب. فهو يستعين بالله على الصبر على ما يكذبون، وفي القصة أنهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الذي أكله. فقال له يعقوب : يا ذئب أنت أكلت ابني وثمرة فؤادي ؟

فأنطقه الله عز وجل فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط .

قال فكيف وقعت بأرض كنعان؟

قال : جئت لصلة قرابة ، فصادني هؤلاء.

ويأتي استخدام البعض لهذا الجزء من الآية  في مواقف الشعور بالضعف في مواجهة بعض التصرفات فلا يكون أمام الفرد إلا الاستعانة بالله حيال العجزعن المواجهة وفي ذلك مناسبة لنفس السياق الذي ردد فيه يعقوب – عليه السلام – هذا القول ´الله المستعان على ما تصفون “. قال تعالى: ” إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ” يوسف / 28

الكيد: فعل شيء في صورة غير المقصودة للتوصل إلى مقصود، وهنا اكتفى العزيز بلوم زوجته، وأن إدعاءها من كيد النساء وجاء ضمير جمع الإناث خطاب لها. فدخل فيه من هن من صنفها . وقيل إن هذا قول الشاهد الذي هو من أهلها.

وفي إرجاع القول للعزيز أكثر من رأي فمنهم من قال إنه قليل الغيرة، ومنهم من قال إنه عاقل متدبر للأمور، ومنهم من قال إنه شديد الحب لزوجته فاقتصر باللوم وجعل ما فعلته يرجع لطبيعة الإناث باستخدامه جمع المؤنث وهي منهن .

ويأتي استخدامنا واستشهادنا بهذه الآية وكأنها حكم إلهي على جنس النساء ، وهذا مالا يتناسب مع السياق ، فقد جاء هذا القول على لسان بشر سواء أكان العزيز أم الشاهد في قصة يوسف – عليه السلام – ، فقد جاء القول لتخفيف اللوم على زوجة العزيز فيما فعلت .

قال تعالى : ” قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقّ ” يوسف / 51 

أي ثبت ، واستقر ، وظهر. وجاء بصيغة الماضي مع أنه لم يثبت إلا بعد إقرارها الذي لم يسبق لآنه قريب الوقوع . فهو تقريب زمن الحال من المضي . ويرى بعض المفسرين أن يكون المراد ثبوت الحق بقول النسوة: ” ما علمنا عليه من سوء ” ويأتي استخدامنا لهذه الآية في سياقها الصحيح وهو ثبوت الحق وبيانه  فنقول : الآنَ حَصْحَصَ الْحَقّ. قال تعالى:  “إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ” يوسف / 68

الحاجة هي أمر مرغوب فيه – سميت حاجة لأنه محتاج إليها .أما الحاجة التي في نفس يعقوب فهي كما يرى بعض المفسرين هي حرصه على تنبيه أبنائه للأخطاء التي تعرض لأمثالهم في مثل هذه الرحلة إذا دخلوا من باب واحد، وتعليمهم الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، وهنا لم يتم التصريح بالحاجة وكما قيل في بعض التفاسير أنه خاف عليهم العين. لأنهم كانوا أعطوا جمالاً وقوة وامتداد قامة ،وكانوا أولاد رجل واحد ، فقد جاء في الأثر : إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر. ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح والمواقف التي لايعلن صاحبها عن السبب وراء ما يريد .الرعد / 11 “ قال تعالى:  “إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ 

الآية تحذير من الإصرار على الشرك، بتحذيرهم من حلول العقاب في الدنيا في مقابلة استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة، ذلك أنهم كانوا في نعمة من العيش فبطروا النعمة وقابلوا دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالاستهزاء وعاملوا المؤمنين بالتحقير .

فذكرهم الله بنعمته عليهم ونبههم إلى أن زوالها لا يكون إلا بسبب أعمالهم السيئة بعد ما أنذرهم ودعاهم، والتغيير والتبديل بالمغاير. فهو تهديد لأولي النعمة من المشركين بأنهم قد تعرضوا لتغييرها.

ويأتي استخدامنا لهذه الآية في كثير من المواقف لمعنى غير ما ورد في التفاسير ، فيريد به البعض أن التغيير للأفضل لا يكون إلا بالعمل والمثابرة على التغيير ، فلا ننتظر التغيير من الله دون العمل من أجله، وكأن المشار إلى ذلك البعد عن التواكل والعمل بالتوكل. قال تعالى: ” أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ” 28 / الرعد والمعنى أن قلوب المؤمنين تسكن ويستقر فيها اليقين. وقيل إنها في الحلف، فإذا حلف المسلم بالله على شيئ سكن قلوب المؤمنين إليه .

فإن قيل إن الله يقول:” إنما المؤمنون الذين إذا الأنفال / 2 فكيف تكون الطمأنينة مع الوجل في حالة واحدة؟ قيل الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب. فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وثوابه.وقيل يجوز المقصود هنا القرآن . قال تعالى:” ,إنه لذكر لك ولقومك والذكر من أسماء القرآن، ويجوز أن يراد ذكر الله باللسان فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته.. وتكرار تطمئن في الآية بصيغة المضارع لدلالته على تجدد الاطمئنان واستمراريته وأنه لا يتخلله شك.

ويأتي استخدامنا لهذه الآية يتماشى والمعنى الأخير المراد به ذكر الله تعالى فهو يريح القلوب ويبعث فيها الأمن والطمأنينة ، وقد يراد به قراءة القرآن فهو كلام الله المتعبد بتلاوته، وبذلك يعد من صور ذكر الله تعالى .ولكن لا نستخدمها لتدل على الحلف. قال تعالى : “لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ” الرعد / 38 لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه، ووقت يقع فيه ، وقيل لكل آجل أجله ، وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره أي لكل كتاب أجل أي الكتب المنزلة لكل واحد منها وقت ينزل فيه. وقيل إن المقصود عموم الآجال، فالأجل الوقت المؤقت به عمل معزوم، أو موعود. والكتاب المكتوب وهو كتابة من التحديد والضبط.ويقصد به هنا الوعيد فقد كان المشركون يستعجلون الوعيد. ويأتي الاستخدام الأكثر لهذه الآية بمعنى الأجل وهو الوقت المحدد الذي يأتي لامحالة، وقد يراد بذلك موعد الموت المحدد  والمكتوب سلفاً  ولا يعلمه إلا الله وحده. قال تعالى: ” لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ  ”  إبراهيم / 7

هذه الآية من كلام سيدنا موسى – عليه السلام – لبني إسرائيل  والتقدير اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم . لأن الجزاء عن شكر النعمة بالزيادة منها نعمة وفضل من الله ، لأن شكر المنعم واجب ، فلا يستحق جزاءً لولا سعة فضل الله. فالمراد هنا شكر بني إسرائيل على نعمة الإنجاء من أل فرعون ، والمعنى لئن شكرتم نعمتي فآمنتم وأطعتم لأزيدنكم في النعمة. وقيل لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب. والمعنى الأكثر شيوعاً أن شكر الله على نعمه يزيدها. قال تعالى:” وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ” إبراهيم / 34

المراد أن أنعم الله لا تطيقوا عدها ولا القيام بشكرها. والمعنى إن تحاولوا العد وتأخذوا فيه .فالآية تشير إلى التأكيد والزيادة في التعميم، تنبيهاً على أن ما أتاهم الله من نعم منها  معلوم،ومنها ما لا يحيطون بعلمه، أو لايتذكرونه عند إرادة تعداد النعم. وذلك مثل النعم التي ينسى الناس أنها من النعم كنعمة النفس، الحواس، هضم الطعام والشراب، والدورة الدموية والصحة ….. إلخ.

ويأتي فهمنا واستدلالنا بهذه الآية بالمعنى الصحيح.

وللحديث بقية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى