قادمٌ منَ العالمِ الآخَر

نائلة أبو طاحون | فلسطين

أيّها القادم من أعماقِ الماضي مدجّجا بالصدقِ بالحقّ بالإيمان وبالسلاح.. ما الذي أتى بك إلى عالمنا المَوْبوءِ؟ أما وَصَلتْكَ أخبارُه؟ أم أنَّها آلمتك فجئْتَ تتفقّدُ أحوال الرعية.

هلْ مَرَرْتَ بدجلة بالنيل، وهل تعمّدتَ بماء الأردن وأرسلت سلاماً لبَرَدى؟ وهل داعبتْ قدميك أمواهُ المُحيط وتقاذَفَتكَ أمواجُ الخليج؟ وشمسُ الصّحراءِ هلْ لَوّحَتكَ و داعَبَتكَ نســـمات الوادي وهيّجت في قلبك الذّكرى لطلل هنا، وَطلل هناك ؟ هل أدّيت صلاتكَ في المسجد الأقصى، أم أنّ جراح الأقصى آلمتك فآثرت تضميد الجرح قبل تأدية الصلاة؟

أيّها القادم وماذا عن هالةِ المجدِ التي تحيط بك؟ هل اعتبروك المسيح جئت تُخلصهم فتبعوك؟ أم المسيح جئت تُهدّدُ مصالِحهم، فصلبوكَ وقطّعوك على موائِدهم؟

وهل ارتضَوا تلكَ الهالة وثيقةَ سفرٍ لِدخولكَ عالمنا؟ أم أنّك ما زلت مثلي، تَسْتَصدرُ وثيقةَ سفرٍ لِتَجوب بها الوطن العربي؟

أيُّها القادم كأنك أخطأت المجيء.. فالرَّعية بخير، أحفادك يا صلاح الدين بخير ..ما عاد يُقْلِقهم عدوٌ.. هم أعداءُ أنفسهم فلا تقلق.. يَتساقَون نخب الحبّ فيما بينهم الدم.. بجماجم الأطفال والشيوخ والنساء.. هيَ ذي الحقيقة المرّة فلا تجزع.. وتذوّق طعمَ الدمِ المَسكوبِ في الجماجمِ.. هو ذا قَدَرُكَ تأتي عالمنا فاشربْ.. دمُ الرّفاقِ لذيذُ الطعم شَهِيّ النّكهة.. قد أحضرناهُ طازجا حين علمنا بمقدَمك من كلّ جرح نازفٍ في العالم العربي.. اشربْ لتُصيبَك الْعَدْوَى تُصيبَك النّشوَة وتطلُب المزيد.

أيّها القادم من أعماق المجدِ.. حتّى في عالمِكم تُنقل الأخبار خطأً.. اطمَئن فالقضية ما عادت هي القضية.. اصبحت اسطورة تروى.. يُقال حَمَل وديعٌ أحبّ الذئب حتى الموت فجعل الذئب من بطنه للحَمَلِ قبرا ويُقال أيضاً حيتان خانَت البحر حينَ عَشِقَت الأرضَ وجاءَتْ الَيها.. أيّها القادمُ عُدْ من حيْثُ أتيتَ فالأسطورَةُ ليستْ وَحْشاً تخافُ مِنهُ على الرعية، ما هي إلّا قصةَ حبّ غريبة، وخيانة عجيبة، ولا بُدَّ لِلْبَحرِ من أنْ يَثور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى