أَزِفَ الرَّحيل

محمد علي الصالح “أبو عكرمة ” | طولكرم – فلسطين

 أَزِفَ الرَّحيلُ ولا أُريدُ رَحيلا

ربّاهُ …جِئْتُكَ راجياً ودَخيلا

لا كانَ يومُ الأربعاءِ إذا بــهِ

تَخِذَ القضاءُ إلى الفِراقِ سَبيلا

يا ناعِساتِ الطَّرْفِ أمثالَ الظُّبَى

خَفِّفْنَ مِنْ غَلْوائِكُنَّ قَليــلا

القاتِلاتِ إذا أرَدْنَ رمايةً

الشَّارِعاتِ بِلَحْظِهِنَّ نُصـولا

الطّائراتِ بِأَجْنُحٍ مِثلَ القَطا

المُحْيِياتِ إذا ابْتَغَيْنَ قَتيــلا

أشْفِقْنَ لا تَهْجُرْنَ صَبّاً طالَما

لا يَبْتَغي بِوِصالِكُنَّ بَديــلا

يا عينُ سِحّي الدَّمْعَ …لكنْ كَفْكِفي

فالدَّمْعُ لا يُجْدي الفؤادَ فتيلا

مالي أَضَعـْتُ الصَّبْرَ لا ألْقى لهُ

بينَ الضُّلوعِ مكـانةً ومَقيلا

أَحْسَسْتُ نَبْضَ القَلْبِ بينَ جَوانِحي

فَوَثِقْتُ أَنَّ القلبَ باتَ عَليلا

وَشَعَرْتُ أنّي حامِلٌ في أَضْلُعــي

عِبْئاً تُكَرْدِسُهُ الهمومُ ثَقيـلا

أَمُهَذّبَ الأَرْواحِ في كَنَفِ الذي

فَطَرَ المُعَلّمَ كَيْ يكونَ دَليلا

جَدَّدْتَ في أحيائِنا مجداً ذَوى

وَغَرَسْتَ ما بينَ القُلوبِ جَميلا

عَلَّمْتَنا حُبَّ الفضيلةِ والعُلا

لنُعيدَ عِزّاً للبلادِ أَثيـــلا

فانْظُرْ لِغَرْسِ يَديْكَ قد أنْبَتَّهُ

زَهْراً سيصبح مُثْمِراً وَحمَـولا

عَلَّمْتَهُ حُبَّ البلادِ فَهاكَهُ                   

كَلِفاً بِحُبِّ بلادِهِ مَشْغــولا

إنّا نُشَيِّعُ بالدُّمـوعِ مُهَذَّباً

عَلَماً هُماماً ناهِضاً بَهْلــولا

شَهْماً لَهُ بين الضُّلوعِ مَكانةٌ

علياءُ أَذْكَتْ في البلاد عُــقولا

هَذي جنانُ العِلْمِ قد أَحْيَيْتَها

فَزَهَتْ وَقَدْ كادَتْ تَصيرُ ذُبـولا

أَنْبَتَّ شُبّاناً كِراماً للعُــلا

فَغَدَوْا شَباباً ناضِراً مَأْمـــولا

وَهَدَيْتَهُمْ سُبُلَ الرَّشادِ فسارَعوا

نحوَ المعالي، يا سعيدُ ،فُحـــولا

قد كانَ في وُدِّ الجميع بَقاؤُكُمْ

كيْ تَرْعَوْا الغََرْسَ النَّضيرَ طويـلا

إنّا فَقَدْنا في فِراقِكَ باسِــلاً

أَسعيدُ.. كانَ مُهذّباً ونَبيـــلا

أَمُهَذِّبَ الأرْواحِ هاكَ جُموعُنا

جاءَتْ تُشَيِّعُ بالثناءِ جَلــيلا

جاءَتْ تُوَدِّعُ راحِلاً أَبْقَى لَها

بَيْتَ الفَضيلةِ عامِراً مَأْهـــولا

أَسعيدُ إنْ حَزِنَ الجميعُ فإنَّ لي

حُزْناً يُثير عَواطِفي.. وَعَويــلا

كَمْ مَرَّةٍ لَكَ قَدْ أنَرْتَ مَسالِكي

فَمَشَيْتُ فيها لا أُريدُ عُــدولا

وَغَدَوْتُ مُؤْتََمِراً بِأَمْرِكَ ناهِجاً

سُبُلَ الرَّشادِ مُيَمَّناً مَكْفـــولا

فإذا نَظَمْتُ الشِّعْرَ فيكَ مُشَيِّعاً

أَنـي أُوَدِّعُ مُرْشِداً وَخَليــلا

أَرُبوعَ غَزَّةَ هَلّلي واسْتَبْشِري

حيِّ السَّعيدَ.. وأَكْثِري التَّبْجيلا

سَيُضيءُ في عَلْيا سمائِكِ نَيّرٌ

جَلّى سَمانا في السّنينِ الأولـى

أَنْبِتْ بِغَزَّةَ ما أَرَدْتَ مِنَ العُلا

وابْعَثْ معالِمَها وَكُنْ مَسـْؤولا

وانشُرْ لواءَ العِلْمِ في أرجائِـها

حتّـى تَجُرَّ مِنَ الفَخار ذيولا

روِّ الغِراسِ بِماء فَضْلِكَ بُكْرَةً

لتَرى الثِّـمارَ جَنِيّةً، وأَصيـلا

حَسْناءُ يَعْرُبَ تَسْتَجيرُ فَلَبِّها

وانهَضْ وسارِعْ للفَتاةِ كَفيــلا

أَسَعيدُ شُكراً عَنْ بَني قَوْمي على

أفعالِكَ الغُرِّ الحِسانِ جَزيـلا

أَسَعيدُ لا نَنْسى وِدادَكَ طالمَـا

أَبقَيْتَ فينا للجَميلِ فُصـولا

أَطْلَعْتَ بَدْراً في سَمانا مُشْرِقـاً

فَسَرى، وَقَدْ كانَ الضِّياءُ ضَئيلا

فِـاذْهَبْ تُشَيِّعُكَ القلوبُ وأَنْفُسٌ

تَـهْوى الثُّرَيّا ..لا تريدُ أُفولا

***

هوامش:

ألقيتها بنفسي اليوم الأربعاء الموافق 9/9/1925م  في الحفل الكبير الذي أُقيمَ لوَداع الأستاذ سعيد بك بُشْناق(1) مدير مدرسة طولكرم الأولى، في قاعة المدرسة، أمام جمهور مودعيه من أهالي طولكرم ، فنالَتْ إعجابَ الجَميع.

 (1) سعيد بك بشناق: هو مدير المدرسة في الفترة ما بين 1918م -1925م    

(2)  مدرسة   طولكرم الأولى: هي المدرسة الفاضلية الثانوية للبنين، قديماً، (مدرسة خالد بن سعيد , حالياً) وهي من المدارس العريقة على مستوى فلسطين، والمعروفة بإداراتها المتميزة ، وطلابها النجباء ، وقد تخرج فيها عدد كبير من الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد ، وزراء وقادة وشعراء ومفكرين وشخصيات اجتماعية ووطنية على مستوى العالم العربي.

.(3) كتب الشاعر هذه القصيدة وعمره ثمانية عشر عاماً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى