لن أتحول مني إليك

الصديق بودوارة المغربي | ليبيا

موافقٌ جداً ..
أن أتحول .. إليك .

جداً .. ألف مرة ..
موافق .
أن تلمسني جنيات الغيم كما في قصص الخيال
فأصبح كائناً ينام ملء عينيه ..
في حضن درويش .

موافق جداً ..
ولتذهب إلى الجحيم كل الشعارات
وكل دعاوي الكذب
لستُ محظوظاً بكوني من بني البشر
وكنت سأكون أكثر سعادةً
لو أني مخلوق يعيش بلا مشقة
بعمر قصير ..
وصدرٍ لم تزره الهموم بعد .

موافق جداً ..
صفقة رابحة ..
خذي وجهي .. وأصابعي ..
وكل ما كتبت
وكل ما سوف أكتب
وكل ما أنجزت
وكل ما لم أنجز
خذي كل الأصدقاء
الأوفياء منهم
ومن يتقن الطعن في الظهر
من ماتوا وتركوني وحيداً بدونهم مثل بئر مهجورة
ومن يفتقدني إذا غبت
ومن لا يهتم .
خذي كل هذا الحصاد
وامنحيني وجهك
وفراشك الدافيء هذا
وحضن هذا الدرويش الذي يستضيفك
فأنا سيد الحمقى
ذلك الذي يتمنى حضن نفسه الآن .

موافق ..
رأي مبارك ..
خذي مدرستي القديمة
وجامعاتي الثلاث
وشهاداتي الأربع ..
وامنحيني كوباً من حليب
ولقمة هادئة
ونوماً لا كوابيس فيه
وعقلاً لا يحسب للآتي حساب
ويوماً يعيش يومه
ولا يبالي بنباح كلبٍ هنا
ولا بأنياب كلب هناك .

موافق جداً ..
أقسم أني لن اعترض
ولتذهب إلى أقرب مكب قمامة كل تواريخ البشر
لم يعد يهمني غزو الأندلس
ولا امبراطورية آل هابسبورج
ولا قيصر العظيم
ولا أثينا في مجدها الرائع
ولا أسبرطة وهي تنتقي رجالها بلا قلب
ولا الحرب العالمية الوضيعة
ولا نووي إيران
ولا فقر بنغلاديش
ولا بؤس اليمن
ولا سماسرة سوق السياسة في ليبيا
ولا صمود أهرامات مصر
ولا عبث الديمقراطية في السودان
ولا كيف سقطت دولة العباسيين
ولا كيف نهضت دولة الأدارسة
ولا بكم كانت تباع الجواري في مجالس الخلفاء
ولا ألحان زرياب
ولا جرأة ولادة
ولا سذاجة ابن زيدون
ولا لون عنترة
ولا بلادة عبلة
ولا كثيّر عزة
ولا جنون المجنون
ولا سعة صدر معاوية
ولا قسوة الحجاج .
كل هذا الكذب لم يعد يعنيني الآن
مللتُ من قصائد الشعر الفخمة بلا أساس
ومن خطابات الزعماء بلا زعامة
ومن تحليل النشطاء السياسيين بلا جدوى
ومن معارك الوجوه المعاد تدويرها على الشاشات كل ليلة
ومن تأنق المذيعين وهم ينشرون فظائع ما يحدث لنا في نشرات الأخبار
ومن جمال مذيعات العربية ..
وهن يهمسن لنا بأقبح ما ورد من أنباء .

موافق جداً ..
خذي كل هذا الركام .
خذي معارض الكتاب
والدقة في اختيار التماسيح في المراكز الحساسة
وعشوائية مناصب اللصوص الكبيرة
وشكوى المواطن من عدم آدميته
والآبار من عطشها
وارتياح البقر ..
لوفرة أكوام القمامة .

خذي كله هذا
سأستبدل به هذا الغطاء
وسأشتري بعد كل هذا العمر نوماً
لا استيقظ على ما يعكر صفو البال بعده .

موافق ..
بل وأكثر من موافق ..
مللتُ كل هذا الهراء
مللتُ خطب الود
ومللتُ التبرع بماء عيني
لمن لا مكان لي في عيونهم
مللتُ هذا المكان
وأرغب حقاً في الرحيل
مللتُ من وجهي
والندوب تزحف كل يوم
مللتُ ابتسامتي البلهاء
وأنا ارسمها كلما أساء لي أحدهم
ومللتُ صمتي كلما أحسست بالظلم
ومللتُ هذا القلب ..
لم تعد القلوب الواسعة بخير هذه الأيام
ولم تعد النوايا الطيبة بخير
تريدين الخلاصة أيتها النائمة ؟
مللتُ مني .
جداً مللت .
لهذا ..
أنا موافق جداً ..
وألف مرة أوافق .
موافق جداً ..
أن أتحول .. مني .. إليك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى