أناجيه فلا يبوح

محمد موسى العويسات | فلسطين

قال إنّي ذاهب إلى البحر… حيث تطيب الخلوة… وتروقني المناجاة… ويلهمني الأفق المائي أفقا آخر … هناك أتخذ ساحلا فسيحا كالبحر… أجلس على صخرة مرّت عليها الأمواج ألف سنة… وحملت عليها الرّيح ألف سنة… وذرت في وجهها الرّمال ألف سنة… فمحت كلّ ندبة تركتها دموع المارّين… ومسحت أسارير الوجه المتعرّجة… هناك أجلس لأشكو الرّيح والرّمال والأمواج والشّمس والقمر والسّهل والجبل… لن أترك شيئا… لن أذرف ولو دمعة… كي لا يقال انتصرت الرّيح أو الأمواج… هناك سأقبض على حفنة رمل… وأرمي بها وجه تلك الموجة… التي اصطادت طفولتي وطفلي وقلبي… وما زالت تتصيّد الواقفين في غفلة… كأنّها إنسان في بحر… تأخذهم بعيدا في غياهب المجهول… ثمّ بعد ساعة تجدهم في ساحل بعيد… أجسادا بلا أرواح… سأتلمّس جسدي… ستأحسس روحي… أفقدتُ شيئا؟… نعم، فقدت ساعة من عمر… نزعتها من معصمي وقلت للأمواج هي لك… وشيء من جسد… وبقيت الرّوح… لتعيش عمرا آخر… وتصلح ما فسد… أناجي البحر… فلن يبوح… يا بحرُ، هل تعرفني من قبل؟… يا بحرُ، أتدري لِمَ نزلتُ بساحلك هذا؟… لأنّي سمعت هديرك ليلة ما… وعرفت أنّك تحمل كلّ النّاس… وتخيف بعض الناس… وتهون لدى بعض الناس… تحمل الخيانة والوفاء… لأنّك بلا ساحل آخر… لذا ستبقى شكواي وآلامي وأسراري تتردّد فيك… دون فناء… ودون بشر من بني البشر… سيأخذهم الهدير فلا يسمعون… ستغريهم الرمال فلا يلحظون…ستظلم أعماقك فلا يغوصون… وها أنا أقف من على صخرتك هذه… بوجهها الأملس… وظهرها المنبسط… وباطنها الأصم… لأقول لك… إن نزلوك يوما فلا ترأف بالخائن… يا بحر، هل وعيت مقالي؟هل بكيت لحالي؟… استودعك مساءك العاري… استودعك الرّمال… زدها رمالا… أستودعك الرياح زدها عصفا… أستودعك الأرواح البائسة… التي وقفت موقفي فخطفتها… أمّا أنا فلا أستودعك شيئا… أنا بكلّ أشيائي …أنا منصرف فلن أريك ضعفا… أنا عائد لأبني حلما جديدا… ومطلع شّمس غير شمس الأصيل… التي أراها صفراء محمّرة تغرق فيك وتترك مساءك عاريا… لن أحتمل بردا أكثر… هناك دفء ينتظر .
8/11/2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى