الكاتب والناقد المسرحي أحمد عبدالرازق أبو العلا” ود: السيد الزرقاني (وجهًا لوجه)

الإرهابيون يعلمون أن الدين هو الورقة الرابحة للتأثير علي الناس وخداعهم

قضيتنا الثقافية الأولي هي الحفاظ علي هويتنا الثقافية  وتلك مسئولية المثقفين

أمريكا تسعي ليكون الشرق الأوسط دائما علي سطح ساخن وغير مستقر                                                    

أتذكر أن خريجي ( الكتاتيب ) كانوا أكثر وعيا وقدرة وتعاملا مع اللغة العربية من هؤلاء الذين يدرسونها الآن

لابد من تبني فكرة مجانية الثقافة ، والعمل علي زيادة دعمها لأن بناء المواطن لا يُقدر بثمن ..

كانت ومازالت الكتابة عشقه الأول في بداية حياته، وتنقل بين روافدها المتنوعة، ينهل منها، ويسطر إبداعا ورؤى مختلفة عن أقرانه، حتى رسم لنفسه ملامح أدبية وثقافية خاصة خاض تجارب الإبداع والنقد حتي صار من أشهر النقاد المصريين والعرب في المجال الأدبي والمسرحي، حفر لنفسه اسما لا معا بين الآخرين، صار له مفردات خاصة ونهج خاص، حتى أصبحت القضايا الثقافية هي شغله الشاغل بذالك كان لنا معه هذا الحوار حول كافة القضايا الثقافية والسياسية  حيث سألناه في البداية :-

 

س/ هل للقارئ إن يطلع علي تجربتك مع  النقد  المسرحي ؟؟

ج: بدأ اهتمامي بالمسرح كمشاهد لعروضه في السبعينيات ، وشعرت وقتها أن لدي ما أقوله عن تلك العروض ، فكتبت .. بعد أن قرأت بعض الكتب المتخصصة في هذا المجال ، وكانت دراستي الأولي عن مسرحية (مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور ، ونشرتها في (مجلة الكاتب ) في عام 1979 .. بعدها تابعت العروض المسرحية بشكل جيد ومنتظم ،  واهتممت بالنقد التطبيقي ، فكان كتابي الأول (الخطاب المسرحي) قراءات في المسرح العربي1994 ، ثم كتاب (مسرح الثقافة الجماهيرية .. مسرح الجماهير )2014 ، وأخيرا كتاب (التجريب في مسرح الثقافة الجماهيرية) . ودفعني اهتمامي بالنقد المسرحي إلي العمل الوظيفي في نفس المجال ، إلي أن أصبحت مسئولا عن مسرح الثقافة الجماهيرية  كمدير عام له .. هنا حاولت الاستفادة من ثقافتي المسرحية لتنعكس علي ممارستي للعمل الإداري والفني . 

***                                                                                                                                                       

س/الحركة الثقافية والفكرية شهدت الكثير من التقلبات والتوجهات في مصر والوطن العربي   كيف يراها كاتبنا “احمد عبد الرازق أبو العلا؟

ج: دائما ما تكون الثقافة مرآة تعكس الواقع علي سطحها ، وأري أن كثرة المتغيرات   التي حدثت في مصر خاصة ، وفي العالم عامة ، أثرت علي توجهات تلك الثقافة ، فأصبحت معركتنا  – في ظل فكر العولمة والقرية الكونية – هي الحفاظ علي هويتنا الثقافية ، لكننا كلما اقتربنا من مواجهة متغير، نجد متغيرا آخر يظهر فجأة ، ليقلب الموازين من جديد ، وعلي سبيل المثال ظهور تيارات الإسلام السياسي ، وما تبعها من ممارسات تتسم بالعنف والإرهاب ، ومحاولة السيطرة ، وهذا المتغير تحديدا يتطلب إتباع سياسات جديدة، واستراتيجيات ثقافية مغايرة لما كانت عليه ، لنستطيع مواجهته بشكل قوي وحاسم ، لكننا للأسف الشديد لم نتفق بعد – ثقافيا – علي الطريقة التي نستطيع بها مواجهة هذا الفكر المتطرف ، وتلك في اعتقادي هي مسؤولية المثقفين، أكثر ما تكون مسؤولية وزارة الثقافة ، لأن الوزارة – كمؤسسة – لن تستطيع العمل بمعزل عن المثقفين ، الذين يقع عليهم عبء توجيه المسئول إلي الوجهة الصحيحة لتنفيذ السياسات التي يقترحونها ، فهل يحدث هذا ؟؟ أقول لك لا يحدث ، وهنا تكمن المشكلة .      

***                                                                                                                                     

س/ما تفسيرك لا ستوطان الأفكار التكفيرية في منطقة الشرق الأوسط؟

 ج: هذه مسألة تاريخية ترجع إلي عام 35 هجرية  حين اندلعت الفتنة الكبرى بمقتل (عثمان بن عفان)، فبدأت الحروب الأهلية في الدولة الإسلامية وكلها تقوم علي خلافات سياسية وأطماع استمرت من يومها حتى يومنا هذا . فكثرت الجماعات التي ترتدي رداء الدين ، لتطرح أفكارا مثل عودة الدولة الإسلامية ، والخلافة .. ، ويمارسون الإرهاب ، لنشر أفكارهم التكفيرية، وهؤلاء الذين يوظفون الدين في السياسة ، يعلمون أن الدين هو الورقة الرابحة للتأثير علي الناس وخداعهم ، لكن سياسة خلط الأوراق والخداع تتطلب جهودا عظيمة ، معظمها ثقافي – في اعتقادي- يكون منطلقها هو العمل علي فصل الدين عن الدولة.. وهؤلاء الذين يلعبون لعبتهم  يرون أن المنادين بالدولة المدنية ، أو العلمانية، أو الليبرالية ، كفار وخارجين علي الدين، ودمهم حلال .. ولذلك فإن المعركة معهم ينبغي أن تكون معركة فكرية ، منذ البداية ، حتى لا يستطيعون تجنيد من يؤمنون بأفكارهم المتطرفة بسهولة ، ويساعدونهم علي التواجد . ولا تنسي  أن الدول الكبرى وعلي رأسها (أمريكا) تساعد تلك الجماعات ، ليكون الشرق الأوسط دائما علي سطح ساخن وغير مستقر .   

***                                                                                      

س/  في ظل هذا التغلغل  الواضح للفكر التكفيري  يظهر مدي التراجع الكبير لدور وزارة الثقافة؟ ما هو رأيك في تلك الظاهرة

ج: هذا سؤال هام ، لأنه – كما ذكرت لك – إن المعركة فكرية في الأساس ، ولذلك ينبغي أن نتبنى إستراتيجية واضحة لمواجهة تلك الأفكار ، أدهشني تصريح الوزير السابق( حلمي النمنم ) حين قال : إن وزارة الثقافة ليس من دورها مواجهة الإرهاب ، وأراه – دائما – يُحمل الأزهر – وحده – مسؤولية ذلك ، ويطالبه – كذلك   بمسؤولية تجديد الخطاب الديني ، علي الرغم من أنني أري أن وزارة الثقافة بمؤسساتها المختلفة ، وبالمثقفين المتعاملين معها ، عليهم دورا كبيرا في تجديد الخطاب الثقافي  ، وهو لا يقل بأي حال من الأحوال عن تجديد الخطاب الديني ، إن لم يكن أقوي منه وأكثر تأثيرا علي أفراد المجتمع ، لأنهم يتفاعلون مع أدوات الثقافة ( الكتاب – الفيلم السينمائي – التمثيلية – الندوات – المجلات – الأغنية – المسرح ) لكن الوزارة ، تعمل بمعزل عن تلك القضية الهامة ، وبمعزل عن الناس – كذلك – ، ولا تسعي لتعميق الأفكار التي من شأنها مواجهة التيارات المتطرفة ، التي تتحدث باسم الدين ، وتتخذه ذريعة لنشاطها الهدام ..

المثقفون والوزارة يستطيعون ، وتستطيع ، العمل علي تلك المواجهة بوضع برامج حقيقية ، تنتصر للأسس والدعائم، التي تقوم عليها الدولة المدنية، بغرس مفاهيم الانتماء ، والمواطنة، والانحياز لفكرة العدالة الاجتماعية ، وبكل هذا نستطيع المواجهة.. نستطيع مواجهة الظلام بالنور .. لكن الحادث علي العكس من ذلك تماما .. تراجعات ثقافية ، غياب للسياسات الواضحة ، وغياب للاستراتيجيات، الاعتماد علي الأنشطة الدعائية، الابتعاد عن الناس في تجمعاتهم، والاكتفاء بالغُرف المُغلقة، لتكون مكانا لإدارة النشاط الثقافي!!  هذا الغياب يُتيح الفرصة ، ويجعل المناخ صالحا تماما للفكر التكفيري الظلامي، خاصة في المناطق البعيدة عن العاصمة.. ولا بد أن نجتمع علي رأي واحد يحدد الطريقة التي  نستطيع بها  المواجهة .. ووزارة الثقافة مجرد رافد واحد ، من روافد أخري ينبغي أن تشارك في وضع تلك الإستراتيجية الغائبة، منها التعليم، والإعلام، والشباب ، والمؤسسات الدينية، وأري أن تجديد الخطاب الثقافي لمواجهة تلك الأفكار، هو مهمة تلك المؤسسات مجتمعة، وليست وزارة الثقافة وحدها.    

***                                                                                                   

س / يتحدث المسئولون دائما عن تجديد الخطاب الديني،  برأيك كيف يمكن تحقيق ذلك لمواجهة التيارات التكفيرية ؟؟

ج: عندما تتحدث عن تجيد الخطاب الديني يخرج عليك من يعتبر هذا خروجا علي تاريخك الإسلامي ، ويُدخلك في معركة التراث ، فتتوه في دهاليزه ، ولا تصل لشيء محدد واضح ، والتجربة أثبتت ذلك .. ولذلك فان تجديد الخطاب الثقافي سيكون مخرجا من هذا المأزق ، لأن الثقافة تجمع كل المبادئ التي تبناها الفكر الديني ، وهي مبادئ تقوم علي فكر التسامح في مواجهة فكر التعصب ، وتؤمن بفكرة المواطنة ، وفكرة الحرية ، والحقوق والواجبات ، والعدالة الاجتماعية ، واحترام القانون ، وستجد أن تلك المبادئ ، في شمولها هي – أيضا- نفسها التي  تقوم عليها الدولة المدنية ، وليست الدينية ، وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه ، ونتبناه. 

***                                                                                                                                                        

س/  يتحدث الكثيرون عن ضعف مستوي التعليم في مصر مما يؤثر سلبا علي اللغة العربية وآدابها  وبالتالي الإنتاج الأدبي .  كيف ترصد تلك الإشكالية في الوقت الحاضر ؟

ج: لم يعد هناك اهتمام بتدريس اللغة العربية في المدارس لأسباب كثيرة ، منها ضعف مستوي المعلم ، فضلا عن كثرة مدارس اللغات ، التي تقوم بتدريس اللغة العربية ، باعتبارها مادة للنجاح والرسوب فقط ، وتتذكر أن خريجو(الكتاتيب) كانوا أكثر وعيا وقدرة وتعاملا مع اللغة العربية من هؤلاء الذين يدرسونها الآن ، لأن مرجعها كان دراسة وحفظ القرآن الكريم .. تلك المسألة تحتاج إلي دراسة كبيرة يشارك فيها التربويون للخروج من المأزق.      

***                                        

  س/هل أثرت وسائل الاتصال الحديثة علي ثقافة المواطن البسيط ؟

ج: بالطبع أثرت، تأثيرا بعضه ايجابي كالانفتاح علي العالم، وحرية الحركة، وإبداء الرأي، وسلبي لأنها أصبحت بديلا لدي معظم الناس عن الأدوات التقليدية المعروفة للثقافة، مثل الكتاب المطبوع مثلا، فأصبحت ثقافة الصورة هي الغالبة ، لكنها- بمفردها – لن تبني إنسانا طبيعيا سليما ، فتلك الوسائل علمته الكسل ، لأنها تأتيه في المكان الذي يجلس فيه ، دون أن يسعي إليها ، في حين أن المعرفة الحقيقية تتطلب سعيا ، ونشاطا لا توفره تلك الوسائل .   

***                                                                             

س/قطاع الثقافة الجماهيرية رافد مهم للقيام بتثقيف للمواطن خاصة في الأقاليم والمناطق الشعبية  كيف تقيم دور ها؟

ج: كتبت كثيرا عن هذا الموضوع لأهميته ، وبالطبع لا أستطيع أن أقول لك في عجالة كل ما ينبغي أن يُقال ، وباختصار أقول : إن الثقافة الجماهيرية هي وزارة الثقافة الفعلية في مصر ، لأنها تذهب إلي الناس ، وينبغي أن توضع إستراتيجية حقيقية ليست موجودة الآن ، لنستطيع بها  تنمية وعي المواطن في ظل مجتمع تموج فيه الأحداث،والمتغيرات ،التي تجعله في حيرة من أمره ، وربما شبابه تدفعه للذهاب إلي المتطرفين ، الذين ينتهزون فرصة غياب الفعل الثقافي ليستأثروا به ، ويقومون بعمل غسيل مخ ليكون طيعا كما يريدون ..                                                                                                                           

***  

س: يقول البعض بأن الحركة الثقافية الآن أصبحت خارج سيطرة مؤسسات الدولة من حيث الاتجاهات والنشر  ما مدي صحة تلك الرؤية؟

ج: مازالت الدولة تقوم بمهمتها نحو إصدار الكتب من خلال مؤسساتها المختلفة ، ولكنها  تخلت  عن دعمها لتلك الكتب ، لتصل إلي الجميع بأسعار مقبولة ، فنجد أسعارها- الآن- تقترب من أسعار كتب القطاع الخاص…  ما زلت أري أن دعم الثقافة أمر ضروري ، ولابد أن تكون مجانية تماما ، إذا أردنا تنمية وعي المواطن .. ملايين الجنيهات التي يمكن أن تُصرف علي منابع الثقافة المختلفة ، كفيلة ببناء شعب حقيقي ،  لابد من تبني فكرة مجانية الثقافة ، والعمل علي زيادة دعمها لأن بناء المواطن لا يُقدر بثمن .. القطاع الخاص تحكمه أمور تتعلق بمسألة الربح والخسارة ، ولا ينبغي أن تكون تلك الفكرة موجودة في أجندة مؤسسة الثقافة في مصر ، خاصة في ظل الظروف الحالية ، التي تتطلب جهودا كبيرة لبناء المواطن المصري . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى