لماذا نبحث عن الجمال؟!

حسن الخاقاني | النجف – العراق

هذا التساؤل الغريب يثير فضول عقولنا كما شغل أذهان الفلاسفة والمفكرين في إيجاد حلول لهذه الجدلية .
فمنذ ان وجد الإنسان نفسه كائنا تدب به الحياة ويتجول بإرجاء المعمورة كان باحثا عن الجمال بتزين أدواته ومستلزماته بعد ان اخترعها أول مرة , لضرورة استعمالية أو جمالية بحتة في حين كان بأمكانه الاكتفاء بتوفير المعيشة ببساطة وحسب .
وراح يبحث عن مناغمة روحه بجماليات فنية جعلت منه منفردا بين الكائنات , او بشكل اصح هي هبة حباها الله للإنسان دون غيره وارتبطت بعقلانية الادميين وحدهم في اعمار الارض.
وترافق هذا الشغف الجمالي بالفن منذ الرسوم على جدران كهوف لاسكو في عصر الانسان القديم قبل الالاف السنين وإلى يومنا هذا انعاشا للحياة ولتحقيق السعادة والرضاء
وربما كان دافعا رئيسا للتطورات البشرية فمثلا اختراع الكتابة ماهي اختراعا فنيا و رسوم لرموز صوتية ادت بعد اختراعها إلى نقلة نوعية في تطور المنظومة البشرية وتحضرها .
وخير مثال على تناول الفنون القيثارة السومرية والاختراع البكر للموسيقى الغذاء الروحي قبل الميلاد بزمن بعيد .والمسارح اليونانية وفن العمارة والفخاريات والمنحوتات والرسوم والفنون التطبيقية والخ من المنجزات الفنية التي يطول شرحها
ولو اسرفنا بالتفكير بالجانب الجمالي والفني نجده ذا اهمية بالغة في حياتنا ومناغمة حية لمشاعرنا الانسانية التي نحاول جاهدين بأن يحيط بنا الجمال والفن من كل صوب .
ولعل اهمية هذا المجال واضحة المعالم في دراسة وفهم وتحليل الجماليات والفن انطلقت بتفكير الفلاسفة اليونان والعرب ومن تلاهم واستمر لوقتنا الحالي بـايديولوجية علم الجمال
المسمى الاستاطيقا ( Aesthetics )
ولو نفرض جدلا بأن ننتزع كل القيم الفنية والجمالية من عالمنا المحيط بنا فكيف سيبدو شكل الحياة القافرة ان لم نرجع بتقهقر نحو نقطة بداية الانسان البدائي
وهنا يمكن طرح سؤال هل توجد الذائقية الجمالية بالفطرة ام هي تراكمات سايكولوجية في انتقاء الاجمل والامثل من الاشياء , خاصة عند مشاهدة الطفل وهو يميل للجميل والممتع وينفر من القبيح .
ومادور الذوق الشخصي في ملامسة الذوق العام ليسحبنا هذا الكلام لأستفهام جديد ،هل يوجد في داخل كل شخص منا فنان او ناقد تحليلي يقيم الاشياء بطريقته الانطباعية الذاتية ومامدى مصداقية ذلك ؟
وعلى سبيل تقريب الفكرة …. الشخص الذي ينتقي ملبس ما من متاجر متعددة ويخرج بحصيلة الثوب الفلاني بأنه الأجمل من بين الالف القطع المعروضة … كيف تحققت ميكانيكية تفكيره الذوقي واتخاذ القرار رغم تعدد الخيارات
وكذلك الشأن في اختيار الاثاث والالوان والتصميم والديكور وحتى المصطلحات بفن المخاطبة
وهل توجد اسس يتفق عليها في وضع هرم جمالي للاشكال والاشياء بشكل فردي او جماعي .. او بصيغة اخرى هل الذوق العام للمجتمع ثابت ام متغير حسب الزمكانية ؟
وهل تستطيع المعرفة او الحقب الزمنية ومعطياتها من تغيير او تطوير او حتى مسخ الذوق السابق .كما نلاحظ التغيير والتبديل الحاصل في حياة الاجيال السابقة
ان شغف الانسان بالبحث عن الجديد بعالم الجمال جعلت من مسيرته حقلا للتجارب في كشف الخبايا واختراع السياقات الابداعية لكسر المعتاد والقديم كما حصل في ولادة المدارس الفنية بعصر الحداثة وماتلاها مستندة على اسس ونظريات فلسفية وفكرية في تداولات مجتمعية وبث الفن والجمال من جانب سوسيولوجي
خلاصة التساؤلات من المسؤول عن تطور ورقي الذائقية الجمالية المجتمعية وكيف تنطلق اشعاعيا من الفرد نحو الخارج وماهي الاساليب الامثل في تطوير وتنشيط الحركة الثقافية والفنية التي يمكن طرحها بنسق معرفي او منهجي في تثقيف الذات الانسانية
كما في الماضي عندما تصدرت الحضارات العريقة بفنونها الجميلة سماء المجد وكما هو الان عندما نأخذ انطباعا عن تحضر او تخلف المدن والشعوب بالمشاهدة الاولى بتناغم الجماليات او عكسها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى