التصعيد في فلسطين (2)

نهاد أبو غوش | فلسطين

قمة النقب
قمة النقب التي عقدت أواخر آذار الماضي عززت شعور الثقة والقوة لدى الحكومة الاسرائيلية، ولدى مختلف المؤسسات الأمنية وعززت حتى الشعور بالتفوق والاستعلاء حتى لدى الجمهور الإسرائيلي الذي باتت حكومته تتصرف وكأن العالم نسي القضية الفلسطينية، وبات يسلم بأنها مجرد شأن داخلي اسرائيلي يمكن لاسرائيل أن تديره بأدواتها العسكرية والأمنية من جهة (العصا) والتسهيلات الاقتصادية التي تتحدث عنها (الجزرة) والتي هي في الحقيقة مجرد تخفيف للقيود المشددة المفروضة على الفلسطينيين وحركتهم.
فقد ساهم مسلسل التطبيع المجاني بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، في حرمان الفلسطينيين من إحدى أهم نقاط القوة التي كانوا يملكونها على امتداد العقود الماضية وهي استحالة قيام السلام واستتباب الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط من دون حل القضية الفلسطينية، وهذا ليس مجرد وهم أو أمنية فلسطينية بل هي نقطة جوهرية في مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت بناء على مبادرة ولي العهد السعودي، الملك لاحقا، عبد الله بن عبد العزيز.
تطوران مهمان وبارزان بعثرا هذه الحسابات وأربكاها ، وتحديدا قمة النقب التي لم تكتف باستيعاب اسرائيل ضمن النظام الإقليمي للمنطقة بل جرى تسليمها شارة القيادة والتسليم برؤيتها السياسية والأمنية ( أن جميع دول المنطقة تواجهان معا الخطر الإيراني وخطر التطرف)، أما التطوران فهما:
الأول زيارة الأردني الملك عبد الله الثاني لرام الله وتأكيده أن الموضوع الفلسطيني سيبقى هو الموضوع الرئيسي في قضية الشرق الأوسط، ورفض الأردن الانضمام للقمة حتى ولو من باب المجاملة الشكلية وإيفاد وزير الخارجية.
الثاني سلسلة العمليات المتتالية التي ضربت قلب المدن المحتلة عام 1948 بدءا من بئر السبع والخضيرة وبني براك وتل ابيب والتي أعادت التأكيد على أن الصراع قائم ولا يمكن شطب الفلسطينيين من المعادلة.

موجة العمليات
في البداية سعت اسرائيل لإلصاق هذه العمليات ونسبتها لتنظيم الدولة افسلامية في العراق والشام (داعش)، لكن معطيات ومؤشرات كثيرة تؤكد أن العمل في فلسطين ليس من ضمن أولويات داعش الذي ليس له بنية منظمة تعمل في فلسطين، وانما مجرد مؤيدين ومتعاطفين يمكن العثور عليهم في اي مكان على امتداد العالم العربي والاسلامي، لكن المهم في الموضوع هو نمط العمليات الذي يمكن أن يشكل نموذجا جديدا يسهل تقليده. بل إن إسرائيل كانت تراقب سفر الشبان المؤيدين لهذا التنظيم للخارج وخاصة لتركيا للانتقال بعدها من أجل القتال في سوريا والعراق، وكانوا يعودون لفلسطين من دون أن تتعرض لهم السلطات الإسرائيلية وانما تكتفي بإبقائهم قيد المراقبة.
إسرائيل وعلى لسان مسؤوليها تتحدث عن “موجة” ارهابية جديدة، ولكنها غير قادرة على تحديد “بنك اسماء” محدد ودقيق للاعداء الذين تريد استهدافهم بالردود، فهذه العمليات تتميز بميزتين رئيسيتين : الأولى أنها ليست صادرة عن تنظيمات أو بنى تنظيمية معروفة لها هياكلها وقياداتها التي يمكن ضربها او اعتقالها وتفكيكها كما كان الامر خلال الانتفاضتين الاولى والثانية.
الميزة الثانية انها عمليات فردية، ولكنها ليست عفوية انفعالية كعمليات الطعن التي كان يقوم بها شبان صغار بتأثير الحماس او لأسباب شخصية، ولكن هذه عمليات مخططة ومنظمة اختار منفذوها المكان والزمان والسلاح المناسب بدقة، وتلقوا تدريبا اوليا على استخدام السلاح، هذه العمليات يمكن ان تشكل نموذجا يسهل تقليده لمجرد وجود ثلاثة عوامل ( وهي موجودة بكثرة) : سلاح فردي بسيط، قرار وتوجه من شخص ما يشعر بالقهر او الغضب، محفز وظرف استفزازي مثل اعدام فتاة او طفل او اقتحام الاقصى.
الردود الاسرائيلية جاءت دون تحديد اهداف دقيقة، وانما اهداف عامة مثل جنين ومخيمها، وقد جاءت هذه الردود لتحقيق الاهداف التالية:
– طمانة الشارع الاسرائيلي الغاضب، واستعادة قوة الردع الاسرائيلية التي تآكلت بعد العمليات الأخيرة والتأكيد بأن يد اسرائيل الطويلة قادرة على وصول اي مكان حتى معقل “الاهاب”.
– توجيه رسالة للسلطة الفلسطينية: اذا لم تبادري انت ايتها السلطة للجم المسلحين واعتقالهم سنتولى نحن (اسرائيل) المهمة بانفسنا بكل ما يترتب على ذلك من نتائج أبرزها اضعاف السلطة واحراجها امام شعبها.
– دائما لدى الحكومة الاسرائيلية نزعة انتقامية تهدف لإلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف الفلسطينيين بعد كل عملية، الأمر على بشاعته وماساويته يشبه مباراة كرة قدم وثمة دائما من ينتبه للنتائج : 3/صفر، أو 7/1 ، اي قتلى اسرائليين يجب ان يقابلهم قتلى فلسطينيين اكثر، وبحسبة بسيطة دائما يكون قتلى الفلسطينيين اكثر بفعل عمليات القتل اليومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى