علمني رمضان (١)

رضا راشد | الأزهر الشريف 

(إن العجز عن كثير من الأفعال إنما هو ضرب من الأوهام)

هذا هو أول الدروس المستفادة من شهر رمضان المبارك ..وذلك أن الإنسان في الحياة مخلوق في كبد ..فعليه أن يخوض معمعات الحياة، ويقتحم لجتها؛ وصولا لبر الأمان وشاطئ السلامة .

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر

ولكن ليس كل الناس تسعى للمجد مستهينة في سبيل الوصول إليه بما تكابد من مشقات الحياة ولأوائها، بل إن كثيرا من الناس من ينكص عن الطريق راضيا بالدون، مستنيما لأفياء الكسل وراحة الدعة والسكون .ولو أنهم كانوا عاجزين عن مكابدة تلك الأعمال التي هي معبرهم للنجاح لكانوا معذورين؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا بكلف الله نفسا إلا ما آتاها ..ولكن المؤسف حين تكتشف أن الفشل في تحقيق الإنجاز في كثير من الأحيان إنما كان لفقدان الإرادة(كسلا)، لا لفقدان القدرة (عجزا).

وما بين فقدان القدرة (عجزا)وفقدان الإرادة (كسلا) تضيع كثير من الأعمال فلا ترى الوجود؛ ولهذا فقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من العجز (الذي هو فقدان القدرة ) والكسل (الذي هو فقدان الإرادة)، فكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم الحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل ).

وما أقبح ما يتوهم المرء بنفسه العجز عن شيء وهو في الحقيقة يملك القدرة عليه، لا لشيء إلا لضعف عزيمته وتفسخ إرادته.

وإن في الصيام ما يزيح عن عيوننا غشاوة الوهم ليرينا قدرتنا ويطلعنا على قدراتنا؛ حتى لا نعيش في أسر وهم العجز مرة أخرى. وذلك أن الإنسان في يومه المفطر فيه تمتد يده للطعام كلما أحس بنفسه حاجة من جوع، وتمتد يده للشراب كلما أحس بنفسه حاجة للماء..حتى ليتوهم أنه لا يستطيع البعد عن الطعام أو مفارقة الشراب ساعة أو بعض ساعة، ثم يقدر له أن يصوم يوما، فيمسك عن الطعام والشراب يوما كاملا من الفجر حتى غروب الشمس، دونما لقمة واحدة أو شربة واحدة، في يوم لو كان فيه مفطرا لربما امتدت يده للطعام أكثر من عشرين مرة، وللشراب:(ماءً أو غيره) أكثر من خمسين مرة.

أفرأيتم الآن أنه قد استطاع أن يحقق بالصيام ما كان يتوهم العجز عنه في الإفطار، فيمسك عن الطعام والشراب ربما أكثر من ست عشرة ساعة، وهو الذي كانت توهمه نفسه أنه ليس بالمستطيع الصبر عن أحدهما أو كليهما ساعة أو ساعتين .

إذن فقد تبين لك بالصيام أن كثيرا مما تتوهم من نفسك العجز عنه تستطيع فعله، ولو حاولت لنجحت، وهذا درس ما أشد أهميته للناس في معاشهم قبل معادهم

فيا من تتوهم من نفسك العجز عن كثير من الأفعال، أنت تستطيع، وما عليك إلا أن تحاول :فإذا نجحت كان لك من النجاح الخير الكثير، وإن كانت الأخرى فقد بلغت من نفسك العذر بشرف المحاولة، وتبين لك من المحاولة أنك ما أخفقت لعدم الإرادة، بل لعدم القدرة، وفي تلك الحالة لك العذر .
نفعنا الله وإياكم بالصيام وصالح الأعمال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى