اخلاق السموأل وعبد المطلب بن هاشم !

د. محمد السيد السّكي| استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري med.nile4@gmail.com

وتبقى على مر الدهور نبتة الأخلاق المباركة بجذورها العميقة وثمارها النافعة واغصانها الوارفة، فيطعم منها الاخيار ويستظل بها النبلاء ويفر من خيرها شرار الخلق ندماء الشيطان..
سيظل وفاء “السموأل” الشاعر العربي اليهودي لصديقه امرؤ القيس أمير كندة قصة تتوارثها الاجيال وتتناقلها الاخبار والالسن وتتلقاها افئدة العقلاء..
لقد كان السموأل من اهل خيبر وكان صديقاً لامرؤ القيس وكان له حصناً يسمى الابلق بتيماء، ولقد كانت تجمع السموأل وامرؤ القيس صداقة قوية وكانوا من كبار الشعراء. ولقد أودع امرؤ القيس دروعاً توارثها من اجداده ملوك كندة كأمانة عند صديقه السموأل ليحفظها عنده في حصنه المنيع. حيث كان هناك صراع كبير بين امرؤ القيس والمنذر ملك الحيرة الذي قام بتأليب القبائل العربية على امرؤ القيس ، فراح امرؤ القيس يهرب من مكان إلى مكان و من مجير لآخر حتى انتهى به المطاف هو وابنته عند السموأل بن عاديا. وعندما أراد امرؤ القيس ان يذهب الي قيصر الروم ترك دروعه عند صديقه السموأل، ولقد طلب المنذر ملك الحيرة والحارث بن شمر الغساني تسليم الدروع ولكن السمؤال رفض فقاما بحصار حصن الابلق، وأثناء الحصار قاموا بأسر احد أبناء السمؤال وساوموه وطلبوا منه تسليم الدروع لكي يعطوه ابنه والا فيسقتلوه ولكن السموأل رفض فقاموا بقتل ابنه.. وعندما لام الناس السموأل وتعجبوا من صنيعه ومدى وفائه فكان يردد دائما : “انا لا اخفر ذمتي ولا اسلّم مال جاري” .. ما أجمله من وفاء وكرم وما اعظمها من تضحية، ولقد خلّد الزمان صنيع السموأل وعظّم الناس وفاءه فراحوا يضربون بالسموأل المثل في الوفاء وقالوا”أوفى من السموأل”..
انها الأخلاق والصداقة التي جمعت بين أصحاب العقائد المختلفة. فرغم ان الغساسنة والمناذرة وأبناء كندة هم أبناء عمومة وبينهم صلة ارحام ، الا ان الصلة التي جمعت بين السموأل وامرؤ القيس هي صلة النبل والأخلاق والإبداع والتي لا يتوارثها الأفراد من نهد الي نهد ومن رحم الي رحم، وإنما هي عطية الله ومراده المقدس بين خلقه وقدس اقداسه الذي ما ان يُدنّس حتى تتباكى عليه السماء..
ولقد ضرب عبد المطلب بن هاشم – جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام – المثل وكان كالزيت لمشكاة الأخلاق.
لقد كان عبد المطلب بن هاشم وحرب بن امية صديقين، وكان لعبد المطلب جاراً يهودي من يهود نجران وكان تاجراً بارعاً ذائع الصيت آنذاك . ولقد كان يغار حرب منه ويكرهه فتآمر على قتله بأن جعل فتيين من قريش يقتلوه، الأمر الذي اغضب عبد المطلب بل جعله يهدم بنيان تلك الصداقة مع حرب بن امية ولم يتهاون معه حتى اخذ منه الدية واعطاها لابناء عم القتيل اليهودي..
انها الاخلاق عابرة العقائد والانساب !
وكما ان الزمان خلّد صنيع السموأل فإنه يكشّر عن انيابه في وجه حرب بن امية الذي قُتِل ولا يعرف احد من قتله لدرجة انهم ادّعوا بأن الجّن هو من قتله !.
ولم تكن استجارة النجاشي ملك الحبشة للمسلمين المستضعفين الا سمواً في الأخلاق..
ولم يكن عفو النبي محمد عليه الصلاة والسلام عن مشركي قريش الا سمواً للأخلاق بعدما رأى في أعينهم معان الكسرة والندم والاعتذار..
ويبقى الوفاء وحسن الجوار شعلة ينهل من قبسها حماة الأمانة والاخيار عبر الزمان. ورغم طغيان تسونامي انحطاط الأخلاق بموجاته المختلفة عبر التاريخ الا انه سيظل جدار الأخلاق الصلد مقاوماً لجميع الهزات والنكبات وصامداً امام اطنان التدهور و نزغات الشيطان..
أن الذين يحملون لواء الأخلاق لهم سِقاء الله المبارك لخلقه، فاقطف من زهور حديقتهم وكن من اهل السمو والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى