قراءة في رواية الصامت للكاتب والروائي الفلسطيني شفيق التلولي

هدى عثمان أبو غوش | فلسطين

رواية “الصامت” للكاتب والروائي الفلسطيني شفيق التلولي،التي أهداها “إلى جدّاتنا وأجدادنا جذر الحكاية”،عن دار الشّروق والتوزيع 2021،وتقع الرّواية في 176صفحة من القطع المتوسط.

بقلمه الهادىء وبضمير المتكلّم،يسبر الكاتب مخاض وأوجاع وطنه الممتد من زمن حملة إبراهيم باشا على بلاد عن الشام وصولا إلى النكبة وما بعدها،من خلال السارد الكاتب أمين الذي يتولى بمهمة البحث عن سرّ المخطوطة، مخطوطة كي تعيد لمّ شمل العائلة،وقد اختار الكاتب شفيق التلولي كسر الروتين في تقنية السّرد من خلال غياب الشخصيات المتصارعة في الرواية أو العاطفة التي تربط القارىء بالشخصيات تجاه شخصية معينة أو مكان ما،ممّا يخلق حالة تباعد بين القارىء وجسد الرواية،فالقارىء يستمع لحكايا الجدة ناعسة من خلال ما ينقله حفيدها السارد أمين،فعلى سبيل المثال، لم أتفاعل مع أحداث النكبة في غزة،التي من المفترض أن تحرّك مشاعرنا،بالرّغم من لغة الكاتب الجميلة،فقد ظهرت الشخصيات خلال ذاكرة الأجداد وحكاياهم دون أن تعبر الشخصيات حول مشاعرهم بأنفسهم أو الإسهاب حولهم،كقارئة كنت آمل أن أصل لحالة فيها غضب على المحتل،أو الدولة العثمانية وتعاطف مع الضحايا،ومن ناحية أُخرى،استطاع الكاتب أن يشدنا حتى النهاية من أجل اكتشاف سرّ المخطوطة والمنسي .
دمج الكاتب التلولي في روايته بين مثلث الواقع والخيال الجامح والخرافة،وكان التنقل بين الماضي حيث النكبة والفترة العثمانية وبين الحاضر في غزة وأحداث مصر،والتنقل بين الغناء التراثي والتصوف،الدراويش،والروح الصوفية،وتعدّد المكان،وفي ذلك التنقل بين الزمان والمكان المختلف، يجد القارىء نفسه يتساءل لماذا تهرب الرواية منّي؟فيضطر لمحاولة استرجاع ما قرأه سابقا ومراجعة ما قرأه فيما بعد بسبب تسارع حركتها،والغموض الذي يكمنها.
استخدم الكاتب الأسلوب الرمزي بشكل ملاحظ،البئر وشجرة الجميز،الصامت، المنسي،المخطوطة،وبذلك فإن الكاتب يحاول أن يستفز القارىء من أجل التفكير والتأمل كثيرا في معاني الرّواية،يثير فيه التساؤلات والتحليل في مفهوم الرمزية،وبدوري قمت بتحليل وفكّ بعض الرموز حسب وجهة نظري.
المنسي الذي تكرر كثيرا في الرّواية والذي لا يعرف مكانه بالتحديد،فقد تعدّدت الأقاويل حول مكانه، هو رمز للاجىء الفلسطيني المنسي المقاوم الذي ما زال ينتظر حق العودة،هو الحي الغائب بعيدا عن بلاده،المنسي في البئر الظالم ينتظر الخلاص،هو الفلسطيني في كل مكان الذي ينتظر حق تقرير مصيره الذي طال كثيرا.
سمي المنسي،ربما لنسيان العالم قضيةالنكبة وفلسطين أو تجاهلهم إياها،أرى هنا في تسمية المنسي صرخة الكاتب لماذا نسيتم وطني.
الصامت هو نفسه اللاجىء وهو يذكرني بحنظلة ناجي العلي الصامت الذي ينتظر الخلاص.
المخطوطة البحث عن المخطوطة في الرواية من أجل لمّ شمل العائلة ونسبها،أي عودة اللاجىء لدياره ما هو إلا البحث عن الخلاص وحق العودة.
البئر رمز للظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني،من الهجرة والنكبة والنكسة،وكما يقول الكاتب في سياق الرواية،”منسيون كالحجارة في بئر عتيقة”،فمن سينقذ المنسي من بئره العميق،من سينقذ اللاجىء.
الجميز  شجرة الجميز رمز للفرج الآتي،حيث سيتم مخاض اللاجىء تحت هذه الشجرة ليولد من جديد في وطنه.
أمّا بالنسبة للسارد أمين فهو يمثل حسب رأيي الفلسطيني الذي يحافظ على ذاكرة الأجداد،وينقلها من جيل لآخر،والذي يحمل الهمّ الوطني والصراع حول القضية.
الجدّة هي رمز لحفظ الذاكرة الفلسطينية التي لا تنسى.
أمّا بالنسبة للأسلوب الواقعي،فقد قام السارد أمين في مواكبته لمواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك ومراسلته الباحثة داليا، ونقله الواقع.
رواية ليست سهلة في تركيبها،قام الكاتب بمجهود كبير في سرد روايته،بورك العطاء والإبداع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى